للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

على المعطي له، ولا شك في أن الامتنان بالعطاء مبطل لأجر الصدقة والعطاء مؤذٍ للمعطي له، ولذلك قال تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (١).

وإنما كان المن كذلك؛ لأنه لا يكون غالبًا إلا عن البخل والعجب والكبر ونسيان منة الله تعالى فيما أنعم به عليه، فالبخيل يعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها.

والعجب يحمله على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه منعم بمالة على المعطي له ومتفضل عليه، وأن له عليه حقًّا يجب عليه مراعاته، والكبر يحمله على أن يحتقر المعطي له وإن كان في نفسه فاضلًا، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان منة الله تعالى عليه فيما أنعم به عليه؛ إذ قد أنعم عليه مما يعطي، ولم يجعله ممن يسأل، ولو نظر ببصيرته .. لعلم أن المنة للآخذ؛ لما يزيل عن المعطي من إثم المنع وذم المانع ومن الذنوب، ولما يحصل له من الأجر الجزيل والثناء الجميل، ولبسط هذا موضع آخر، فلا نطيل الكلام فيه.

وقيل: المنان في هذا الحديث: هو من المن الذي هو القطع؛ كما قال الله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (٢)؛ أي: غير مقطوع.

فيكون معناه: البخيل بقطعه عطاء ما يجب عليه للمستحق؛ كما قد جاء في حديث آخر: "البخيل المنان"، رواه أحمد من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه، فنعته به؛ لأن المن يستلزم القطع؛ لأن المان لا يمن إلا بما عظم في عينه وشح بإخراجه، والجواد لا يستعظم فلا يمن، ويدل على أنه يستلزمه قوله:

وإنَّ امرأً أهدَى إليَّ صنيعةً ... وذَكَّرَنِيها مرةً لَبخيلُ


(١) سورة البقرة: (٢٦٤).
(٢) سورة فصلت: (٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>