ولا يعارض هذا حديث:"خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها" لأن النخعي قال: معنى الشهادة هنا: اليمين؛ أي: يحلف قبل أن يستحلف.
واليمين قد تسمى شهادة، قال تعالى:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}(١). انتهى كلامه.
قال المنذري: وقال غير النخعي: هذا في الأمانة والوديعة تكون لليتيم لا يعلم بها بمكانها غيره، فيخبر بما يعلم من ذلك، وقيل: هذا مثل في سرعة إجابة الشاهد إذا استشهد لا يمنعها ولا يؤخرها؛ كما يقال: الجواد يعطي قبل سؤاله؛ عبارة عن حسن عطائه وتعجيله.
وقال الفارسي: قال العلماء: إنما هي في شهادته الحسبة إذا كان عنده علم لو لَمْ يظهره .. لضاع حكم من أحكام الدين وقاعدة من قواعد الشرع، فأما في شهادات الخصوم .. فقد ورد الوعيد فيمن يشهد ولا يستشهد؛ لأن وقت الشهادة على الإحكام إنما يدخل إذا جرت الخصومة بين المتخاصمين وأيس من الإقرار واحتيج إلى البينة، فحينئذٍ يدخل وقت الشهادة بهذا الوجه في هذا الحديث. انتهى كلام المنذري، انتهى من "العون".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم: في كتاب الأقضية، باب بيان خير الشهود، وأبو داوود في كتاب الأقضية، باب في الشهادات، والترمذي في كتاب الشهادات، باب الشهداء أيهم خير.