على أن العطية كانت حديقةً، ووقعت القصة فور ولادة النعمان بن بشير.
وذكر الحافظ أن ابن حبان جمع بينه وبين رواية الباب - يعني: رواية الغلام - بحمل الروايتين على تعدد القصة، ولكن يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة، حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأول: لا أشهد على جور.
ثم حكى الحافظ عدة أجوبة عن السلف عن هذا الاعتراض، ولكن ذكر في الأخير وجهًا من عنده هو أحسنها، فقال: إن عمرة لما امتنعت من تربيته إلَّا أن يهب له شيئًا يخصه به .. وهبه الحديقة المذكورة تطييبًا لخاطرها، ثم بدا له فارتجعها؛ لأنه لَمْ يقبضها منه أحد غيره، فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين، ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا، ورضيت بذلك، إلَّا أنَّها خشيت أن يرتجعه أيضًا، فقالت له: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تريد بذلك تثبيت العطية، ويكون مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإشهاد مرةً واحدةً، وهي الأخيرة، وبهذا اندفع الاعتراض.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الهبة، باب الإشهاد في الهبة، ومسلم في كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة، وأبو داوود في كتاب البيوع والإجارة، باب في الرجل يفضل بعض أولاده في النحل، والنسائي في كتاب النحل، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر النعمان، ومالك في كتاب الأقضية، وأحمد في "المسند".
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.