لتشبيهه بشيء مُستنفَرٍ عنه جدًّا، وبه عمل الشافعي، إلَّا أنه أخرج عنه رجوع الوالد فيما وهب لبعض ولده؛ فإنه جائز الرجوع عنه؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوالد النعمان بن بشير حين وهب لبعض أولاده غلامًا:"ارجعه".
والحنفيون أجازوا فيما وهب للأجانب إذا لَمْ يمنع عنه مانع، واعتذروا عن هذا الحديث بأن رجوع الكلب في قيئه لا يوصف بالحرمة؛ لأنه غير مكلف، فالتشبيه وقع بأمر مكروه، فيثبت به الكراهة. انتهى منه.
قال القرطبي: وأما هبة الوالد لولده .. فللأب الرجوع فيها، وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وأبو ثور والأوزاعي، وقد اتفق هؤلاء على أن ذلك للأب.
وهل يلحق بالأب الأم والجد؟ اختلف في ذلك قول مالك والشافعي: ففي قول يقتصر ذلك على الأب، وفي قول إلحاقهما به، والمشهور من مذهب مالك إلحاق الأم به، ومن مذهب الشافعي إلحاق الأم والأجداد والجدات مطلقًا.
والأصل في هذا الباب: ما أخرجه النسائي من حديث ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل لرجل أعطى عطية أن يرجع فيها، إلَّا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي عطية ثم يرجع فيها .. كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع .. قاء، ثم عاد في قيئه"، وهذا الحديث حديث صحيح أخرجه النسائي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، وفي كتاب الجهاد والسير، باب إذا حمل على فرس فرآها تباع، ومسلم في كتاب الهبات، باب كراهية الشراء ممن تصدق عليه ما تصدق به، وأبو داوود في كتاب الإجارات، باب الرجوع في الهبة، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية الرجوع في