وقد شرع الله سبحانه الرهن مقبوضًا بيد المرتهن، فإذا كان في يده فلم يركبه ولم يحلبه .. ذهب نفعه باطلًا، وإن مكن صاحبه من ركوبه .. خرج عن يده وتوثيقه، وإن كلف صاحبه كل وقت أن يأتي ويأخذ لبنه .. شق عليه غاية المشقة ولا سيما مع بعد المسافة، وإن كلف المرتهن بيع اللبن، وحفظ ثمنه للراهن .. شق عليه، فكان بمقتضى العدل والقياس ومصلحة الراهن والمرتهن والحيوان أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب ويعوض عنهما بالنفقة، ففي هذا جمع بين المصلحتين وتوفير الحقين؛ فإن نفقة الحيوان واجبة على صاحبه، والمرتهن إذا أنفق عليه .. أدى عنه واجبًا، وله فيه حق، فله أن يرجع ببدله، ومنفعة الركوب والحلب يصح أن يكونا بدلًا، فأخذها خير من أن تهدر على صاحبها باطلًا، ويُلزم بعوض ما أنفق المرتهن، وإن قيل للمرتهن: لا رجوع لك .. كان فيه إضرار به، ولم تسمح نفسه بالنفقة على الحيوان، فكان ما جاءت به الشريعة هو الغاية التي ما فوقها في العدل والحكمة والمصلحة شيء مختار، ثم ذكر ابن القيم كلامًا حسنًا مفيدًا، من شاء الوقوف عليه .. فليرجع إلى "الإعلام".
وقال القاضي الشوكاني في "النيل": ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول، فلا ترد إلا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع، وعن حديث ابن عمر بأنه عام، وحديث الباب خاص، فيبنى العام على الخاص، والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقتضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع، لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان. انتهى كلام الشوكاني.
فالحاصل: أن حديث الباب صحيح محكم ليس بمنسوخ، ولا يرده أصل