وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة أن هذا النهي لم يكن للتحريم، وإنما كان للإرشاد والتنزيه.
ومما يدل على ذلك ما أخرجه النسائي (٢/ ١٥١) من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن رافع بن خديج قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على أرض رجل من الأنصار قد عرف أنه محتاج، فقال:"لمن هذه الأرض؟ " قال: لفلان أعطانيها بالأجرة، فقال:"لو منحها أخاه"، فأتى رافع الأنصاري، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم عن أمر كان لنا نافعًا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع لكم.
فتبين من هذه الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لو منحها أخاه" يعني: كان خيرًا، فحمله رافع على النهي، فقد أخرج أبو داوود والنسائي عن عروة بن الزبير قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج، أنا والله، أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان من الأنصار وقد اقتتلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن كان هذا شأنكم .. فلا تكروا المزارع"، فسمع رافع قوله:"لا تكروا المزارع"، فحدث به.
وأخرج أبو داوود والترمذي والنسائي عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: ما كنا نرى بالمزارعة بأسًا حتى سمعت رافع بن خديج يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فذكرته لطاووس، فقال: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه، ولكن قال: لأن يمنح أحدكم أرضه أخاه .. خير له من أن يأخذ منه خرجًا معلومًا.
فهؤلاء فقهاء الصحابة والتابعين لم يقبلوا عموم النهي في أحاديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه. انتهى من "التكملة".