يمارس الفلاحة والزراعة، ولم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة بينهم؛ لأنه لم يكن ممن عانى الزراعة والفلاحة ولا باشر شيئًا من ذلك، فخفيت عليه تلك الحالة، وتمسك بالقَاعِدَةِ الكلّيةِ المعلومةِ التي هي:(أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مؤثر إلا الله تعالى) فإذا نسب شيء إلى غيره تعالى نسبة التأثير .. فتلك النسبة مجازية عرضية لا حقيقية، فصدق قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن ذلك يغني شيئًا" فإن الذي يغني في الأشياء عن الأشياء بالحقيقة هو الله تعالى، غير أن الله تعالى قد أجرى عادته؛ بأن ستر تأثير قدرته في بعض الأشياء بأسباب معتادة، فجعلها مقارنة لها، ومغطاة بها؛ ليؤمن من سبقت له السعادة بالغيب، وليضل من سبقت له الشقاوة بالجهل والريب:{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}(١).
(فبلغهم) أي: بلغ ووصل أولئك القوم ذلك القول الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعني: قوله: "ما أظن ذلك يغني شيئًا"، وفي رواية مسلم بدل هذا:(فأُخْبِرُوا) بالبناء للمجهول المسند إلى ضمير الجمع؛ أي: فأخبر أولئك القوم الملقحون للنخل (بذلك) أي: بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "ما يغني ذلك شيئًا" (فتركوه) أي: فترك القوم الملقحون ذلك التلقيح؛ تمسكًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (فنزلوا) أي: هبطوا (عنها) أي: عن النخيل.
(فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم) أي: وصل إليه ذلك؛ أي: تَرْكُهم التلقيح بسبب قوله ذلك (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده: قولوا لهم: لا تتركوا التلقيح بسبب قولي: "ما أظن ذلك يغني شيئًا" (إنما) قولي