(فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع الماء) الفاضل؛ أي: نهى عن بيع ما فضل عن حاجته من ذي حاجة ولا ثمن له؛ فإن كان له ثمن .. فالأولى إعطاؤه بلا ثمن. انتهى "مناوي"، وفي رواية للنسائي عن طريق عطاء عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء، ولم يذكر لفظ "فضل"، وهذا الحديث يدل بظاهره على أن بيع الماء ممنوع مطلقًا، وإليه جنح ابن حزم في "المحلى"، والشوكاني في "نيل الأوطار".
ولكن لا يوجد من السلف من يحمل المنع على ظاهره؛ فإن الماء المحرز في الجرار والأواني مملوك بالإجماع، فيجوز بيعه؛ فالمراد من الماء في الحديث: ماء الأنهار والبحار التي لا ملك فيها لأحد، ويدل عليه ما أخرجه أحمد في "مسنده" عن إياس بن عبد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبيعوا فضل الماء؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء، قال: والناس يبيعون ماء الفرات، فنهاهم؛ فإنه يدل بظاهره أن النهي وارد في ماء الأنهار، وأما كون الماء المحرز مملوكًا .. فيدل عليه حديث الباب؛ حيث خص النهي بفضل الماء؛ كما في رواية مسلم، فيدل على أن بيع أصله مباح، وإنما الممنوع بيع فضله، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"من أحيا أرضًا ميتةً .. فهي له"؛ فإن الأرض الميتة مباحة لكل أحد وتملك بالإحياء، وكذلك الصيود كلها مباحة في الأصل، وتملك بالاصطياد، فيقاس عليها الماء؛ فإنه مباح في أصله، وصار هذا القياس مؤكدًا بإجماع الأمة، فلا يجوز العدول عنه. انتهى من "التكملة" بتصرف.
واختلف العلماء في أن هذا النهي للتحريم أو التنزيه: فرجح الطيبي حمله على كراهة التنزيه، وحكى صاحب "التوضيح" حرمته عن مالك والأوزاعي