من رأيك وحدك، فأطرق رأسه، ثم قال: اقضوا فيه ما أنتم مُقْضُون؛ فإني أكره أن أخالفَ الجماعةَ، فمجموع هذه الأحاديث عضَّد بعضُها بعضًا، فلو حكم حاكم بصحة بيعها .. نُقِض حكمه؛ لمخالفته الإجماعَ، وما كان في ذلك من الخلاف بَيْن القرنِ الأول؛ فقد انقطع وانعقد الإجماع على مَنْعِ بيعها.
وأما خبرُ أبي داوود عن جابر الآتي ذِكْرُه بعد هذا الحديثِ في كلام المؤلف:(كنا نبيع سرارينا وأمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم لا يرى بذلك بأسًا) .. فأجيب: بأنه منسوخ على فرض اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع كونه قبل النهي أو أنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم استدلالًا واجتهادًا، فيقدم عليه ما نسب إليه صلى الله عليه وسلم قولًا ونصًّا؛ وهو نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع أمهات الأولاد؛ كما مر؛ فإنه وإن كان نفيًا لفظًا، لكنه نهي معنىً.
وبالجملة: فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك، ويكون قبل النهي، فيكون منسوخًا، ويحتمل أنه لم يشعر بذلك، ولكن نسبه إليه جابر باجتهاده؛ حيث غلب على ظنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه، ونظير ذلك ما ورد في المخابرة أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنا نخابر أربعين سنة لا نرى بذلك بأسًا، حتى أخبرنا رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة، فتركناها. انتهى من "ب ج على الغزي".
فهذا الحديث أيضًا كالذي قبله: صحيح بغيره، وإن كان سنده ضعيفًا، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به لما قبله.