استعمال الفعل بعد الاستثناء بتأويله بمصدر، وإن لَمْ يكن فيه حرف مصدري؛ لضرورة افتقار المعنى إليه، وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موضع الاسم، ويراد به النفي المحصور فيه المفعول.
والمعنى هنا: لا أسألك إلَّا القضاء بكتاب الله تعالي، ويحتمل أن تكون إلَّا جواب القسم؛ لما فيها من معنى الحصر، والمعنى على هذا: أسألك بالله لا تفعل شيئًا إلَّا القضاء بكتاب الله تعالي، كذا في "فتح الباري"(١٢/ ١٣٨) باب الاعتراف بالزنا.
وفي مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكلام شيء من الجفوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصور منه إلَّا القضاء بحق موافق لكتاب الله، فنشده على ذلك بما لا داعي إليه، ولكن الرجل كان من الأعراب، وهم يُعْذَرُون في مثل هذا الكلام، ولذلك لَمْ يعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم ولا لامه، وفيه حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه على من يخاطبه بما لا يليق به.
ثم المراد بكتاب الله ها هنا: ما كتبه الله على عباده، سواء كان مذكورًا في القرآن الكريم أو في السنة؛ لأن الرجم والتغريب ليس لهما ذكر صريح في القرآن إلَّا بواسطة أمر الله تعالى باتباع رسوله.
وقيل المراد بكتاب الله: ما فيه من النهي عن أكل المال بالباطل؛ لأنه كان أخذ منه الغنم والوليدة بغير حق، فلذلك قال:"الغنم والوليدة رد عليك"، ولكن رجح الحافظ ابن حجر في "الفتح" أن المراد بكتاب الله: ما يتعلق بجميع القصة مما وقع فيه الجواب الآتي ذكره، والله تعالى أعلم.
فقال الخصم الآخر له غير الرجل المذكور أولًا (وهو) أي: وهذا الآخر