وفي بعض الرواية:(سمل أعينهم) ومعنى سَمْلِها: شَدْخُ حَدَقتِها بأيِّ شيء كان أو بحديدة محُماةٍ، وقيل: سمَرَ وسملَ بمعنىً واحد؛ أي: فقَأَ وأذهب ما فيها؛ أي: أمَرَ بسَمْلها (وتركهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: أمر بتركهم (بالحرة حتى ماتوا) والحرة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة.
وإنما ألقوا فيها؛ لأنَّها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا، كذا في "فتح الباري"، وإنما تركهم حتى ماتوا؛ لأنهم استحقوا عقوبة الإعدام بجنايتين: الحرابة والارتداد عن دين الإسلام؛ فأما قطع الأيدي والأرجل .. فكان حدًّا للمحاربة، أو قصاصًا لما فعلوه بيسار النوبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما سمل الأعين .. فالجمهور على أنه كان قصاصًا، واستدلوا به على وجوب المماثلة في قصاص كلّ جناية.
والحنفية على أنه لا قود إلَّا بالسيف، فيحملون حديث الباب على التعزير والسياسة، أو على أنه منسوخ بأحاديث النهي عن المثلة.
ويدل على النسخ ما ذكره الترمذي في "جامعه": عن ابن سيرين أنه قال: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تُنْزَلَ الحدود.
وربما يعترض بعض مَلاحدةِ عصرنا على هذه القصة بأن العقوبة التي عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم قاسية جدًّا، ولكنَّنا نرَى أن ما فعله العرنيون أَقْسَى منه كثيرًا وأبعد عن المروءة والإنسانيةِ؛ فإنهم لَمْ يرتدُّوا عن الإسلام فحَسْبُ، وإنما جازوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه على مننهم الجَسيمةِ مُجازاة لا تتصوَّرُ مِن إنسان يَحمِلُ قدرًا أدنى مِن المروءةِ والإنسانيةِ؛ إنهم أتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في حالة الجُوع والهُزال والمرضِ