والسقام، فآواهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأطعمهم، ثُمَّ مَنَّ عليهم بإِرسالهم إلى إبلِ الصدقة، وأباح لهم ألبانَ لِقَاحِه، وهيَّأَ لهم كلَّ ما يحتاجون إليه من غِذَاءٍ صحِّيٍّ وهَواءٍ لطيفٍ ودواءٍ مُفيدٍ وَائْتَمَنَهم على رُعاته وأمواله، ولكنهم ارتدُّوا عن الإسلام، وانْتَهبوا الإبلَ، وقتَلُوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أيِّ ذنبٍ منه أو تقصيرٍ، وقطعوا يدَه ورجلهُ وسَملُوا عَيْنَه بأشواك.
والحَقُّ أنهم كانوا يستحقُّون أَقْسَى ما يكون من عذاب، ولكن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يفعل بهم إلَّا مِثْلَ ما فعلوه براعي رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم المظلوم، فلا يقْدَحُ في إقامة مثلِ هذه العقوبة على مثل هؤلاء الظَّلمة الطُّغاة، إلَّا مَن أَعْمَتْهُ عداوةُ الإسلام والمسلمين.
قوله: في أول الحديث: (إن أناسًا من عرينة ... ) إلى آخره، اختلفت الروايات عن البخاري: ففي بعضها: (من عكل أو عرينة)، وفي بعضها:(من عكل)، وفي بعضها:(من عرينة) كما عند المؤلف، وفي بعضها:(من عكل وعرينة) بواو العطف، وهو الصواب، ويؤيده: ما رواه أبو عوانة والطبري عن أنس أنهم كانوا أربعة من عرينة، وثلاثة من عكل، ولا يخالف هذا رواية:(ثمانية) لاحتمال أن يكون الثامنُ من غير القبيلتَينِ، وكان من أتباعهم فلم ينسب. انتهى مختصرًا، وقد سبق مِنَّا ذِكْرُ هذا الجمع في أول الحديث، ولكن أَعَدْنَاه هنا؛ لئلا يَغْفَل عنه القارئُ.
قوله:"لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها وأبوالها"، وأخرج البخاري من رواية وهيب عن أيوب:(أنهم قالوا: يا رسول الله؛ أَبْغِنَا رِسْلًا) أي: اطلُبْ لنا لبنًا (فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أَجِدُ لكم إلَّا أن تلحقوا بالذود" ثم ظاهر هذه الرواية: أن العرنيين خرجوا إلى إبل الصدقة، ويعارضه رواية