قال القرطبي: وهذا الحديث وإن احتمل أن يراد بالبيضة بيضة الحديد، وبالحبل حبل السفن؛ كما قد قيل فيه .. فالأظهر من مساقه أن يراد به التقليل، لكن أقلّ ذلك القليل مقيد بقوله: "لا تقطع يد السارق إلَّا في ربع دينار"، وهذا نص صريح، وبقول عائشة رضي الله تعالى عنها:(لم تكن يد السارق تقطع في الشيء التافه)، أخرجه البخاري وغيره، وهذا منها إخبار عن عادة الشرع الجارية عندهم، ومعلوم أن الواحدة من بيض الدجاج والحبل الذي يشد به المتاع والرحل .. تافه، وإنما سلك النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مسلك العرب فيما إذا أَغْيَتْ في تكثير شيء أو تحقيره ما لا يصح وجوده أو ما يندر وجوده إبلاغًا في ذلك؛ فتقول: لأصعدن بفلان إلى السماء، ولأهبطن به إلى تخوم الثرى، وفلان مناط الثريا، وهو مني مقعد القابلة، "ومن بنى لله مسجدًا ولو مثلَ مِفْحَصَ قطاة .. بنى الله له بيتًا في الجَنَّة"، ولا يتصور مسجد مثل ذلك؛ "وتصدقن ولو بظلف محرق"، وهو مما لا يتصدق به، ومثل هذا كثير في كلامهم، وعادةٌ لا تُسْتَنْكَر في خطابِهم.
وقيل في الحديث: إنه إذا سرق البيضة أو الحبل .. ربما حمل ذلك على أن يسرق ما يقطع فيه؛ لأنه ربما يجترئ على سرقة غيرهما، فيعتاد ذلك فتقطع يده. انتهى منه.
قوله: "لعن الله السارق" أي: أبعده الله، وأصل اللعن: الطرد والبعد.
وفيه ما يدلُّ على جواز لعن جنس العصاة؛ لأنه لا بد أن يكون في ذلك