قال القرطبي: قول طلحة بن مصرف لابن أبي أوفى: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ) ظاهره أنه سأله هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم وصية بشيء من الأشياء؛ لأنه لو أراد شيئًا واحدًا .. لعينه، فلما لم يقيده .. بقي على إطلاقه، فأجابه بنفي ذلك، فلما سمع طلحة هذا النفي العام .. قال مستبعدًا: كيف كتب على المسلمين الوصية؟ !
ومعناه: كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوصية، والله تعالى قد كتبها على الناس؟ ! وهذا يدل على أن طلحة وابن أبي أوفى كانا يعتقدان أن الوصية واجبة على كل الناس، وأن ذلك الحكم لم ينسخ، وفيه بعد، ثم إن ابن أبي أوفى غفل عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وهي وصايا كثيرة؛ فمنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا، ولا نورث؛ ما تركناه صدقة".
وقال عند موته:"لا يبقين دينان في جزيرة العرب، وأخرجوا المشركين منها، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم"، وآخر ما وصى به أنه قال:"الصلاة وما ملكت أيمانكم"، وهذه كلها وصايا منه ذهل عنها ابن أبي أوفى.
وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته لجماعة من قبائل العرب بجداد أوساق من تمر سهمه بخيبر، ذكره في "السيرة"، ولم يذكر ابن أبي أوفى من جملة ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم إلا كتاب الله إما ذهولًا، وإما اقتصارًا؛ لأنه أعظم وأهم من كل ما وصى به، وأيضًا: فإذا استوصى الناس بكتاب الله فعملوا به .. قاموا بكل ما أوصى به، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى من "المفهم".