(و) الحال أن (على رأسه المغفر) وإنما سَتَر رأسَه بالمغفر؛ وقاية لرأسه عن سلاح العدو، ولأنه إنما دخلها مُحاربًا مجاهدًا لا مُحْرِمًا.
و(المغفر) - بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء - هو المنسوج من الزرد على قدر الرأس؛ وقايةً للرأس من سلاح العدو؛ كالسيف والسهم والرماح، ولا تعارض بين هذا الحديث وبين حديث:(دخل مكة وعليه عمامة سوداء) إذ يحتمل أن تكون العمامة فوق المغفر أو بالعكس، أو أنه كان أول دخوله على رأسه المغفر، ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك. انتهى "سندي".
قال القرطبي: وهو ما يلبس على الرأس من دروع الحَدِيد، وأَصْلُه من الغفر؛ وهو الستر، وهو دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عَنْوَةً، وهو الصحيح من الأحاديث، والمعلوم من السير، لكنه عندما دخلها أَمَّنَ أَهْلَها، وإنما اغْترَّ من قال: إنها فُتحت صلحًا؛ لِمَا سَمِعَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعرِّض لأهلها بقَتْلٍ ولا سَبْيٍ، فظنَّ وقَدَّر أن هنالك صلحًا في الخفاءِ مع أبي سفيان أو غيرِه، وهذا كلُّه وَهْمٌ، والصحيح الأول. انتهى من "المفهم".
قال الطيبي: وفي الحديث دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام لمن لا يريد النسك، وهذا أصح قولي الشافعي.
وقال الشُمَّنِيُّ: ولنا ما روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُجاوزوا الميقات بغير إحرام"، وأيضًا الإحرامُ لتعظيم البقعة، فيستوي فيه الحاجُّ والمعتمر وغيرُهما، ودخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بغير إحرام حكم مخصوص بذلك الوقت، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم: "إنها لَمْ تَحِلَّ لأحد قَبْلِي، ولا