حاجته وكفايته كائن ذلك الماء (بالفلاة) أي: بالمفازة؛ والفلاة - بفتح الفاء -: الصحراء التي لا ماء فيها ولا أنيس، والفلاة اسم جنس يجمع على فلًا وفلوات، وهي في الأصل مصدر فلا الشعر يفلي؛ من باب رمى؛ إذا سرحه وأخرج منه الهوام؛ مثل القمل، أصله: فلية؛ نظير رمى السهم رماة - بالفتح - أصله: رميةً (يمنعه) أي: يمنع ذلك الماء (من) شرب (ابن السبيل) أي: من المُسافِر المارِّ على ذلك الماء؛ أي: يمنع ابن السبيل من شرب ذلك الماء الفاضل عن حاجته.
قال النووي: ولا شك في غلظ تحريم ما فعل وشدة قبحه، فإذا كان من يمنع فضل الماء الماشية عاصيًا .. فكيف بمن يمنعه الآدمي المحترم؛ فإن الكلام فيه، فلو كان ابن السبيل غير محترم؛ كالحربي والمرتد .. لَمْ يجب بذل الماء له. انتهى.
قال القرطبي: قوله: "رجل على فضل ماء بالفلاة ... " إلى آخره؛ يعني بفضل الماء: ما فضل عن كفاية السابق إلى الماء وأخذ حاجته منه، فمن كان كذلك، فمنع ما زاد على ذلك .. تعلق به هذا الوعيد، (وابن السبيل): هو المسافر؛ والسبيل: هو الطريق، وسمي المسافر بذلك؛ لأن الطريق تبرزه وتظهره، فكأنها ولدته.
وقيل سمي بذلك؛ لملازمته إياها؛ كما يقال في الغراب: ابن دأبة؛ لملازمته دأبة البعير؛ أي: دبره لينقرها؛ والبعير المدبر: هو الذي تقرحت دأبته من البعير؛ والدأبة من البعير: هو الموضع الذي تقع عليه ظلفة الرحل فيعقره.
وقد أجمع المسلمون على تحريم ذلك؛ لأنه منع ما لا حق له فيه من مستحقه، وربما أتلفه أو أتلف ماله وبهيمته؛ فلو منعه هذا الماء حتى مات عطشًا .. اقتص منه عند مالك؛ لأنه قتله؛ كما لو قتله بالجوع أو بالسلاح.