والمعنى واحد؛ أي: أتموا (ببيعة الأول فالأول) أي: أتموا ببيعة الخليفة الأول؛ والمعنى: أنه إذا بويع الخليفة بعد خليفة .. فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها بالسمع والطاعة له، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها، سواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أو جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره.
قال النووي: هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، وقيل: تكون لمن عقدت له في بلد الإمام الأول، وقيل: يقرع بينهما، وهذان القولان فاسدان؛ لمعارضتهما الحديث ولمخالفتهما ما عليه السلف والخلف، ولظواهر إطلاق الأحاديث، والله أعلم.
(أدوا) أيَّتُها الأمة وأتموا الحق (الذي) وجب لهم (عليكم) أي: وأعطوا الخلفاء بعدي وأدوهم حقهم؛ من السمع والطاعة والذب عنهم عرضًا ونفسًا والاحترام والنصرة لهم على من بغى عليهم (فسيسألهم الله عزَّ وجلَّ) يوم القيامة (عن) الحق (الذي) وجب لكم (عليهم) من الأموال ورعاية المصالح لكم، والنصيحة لكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الجملة جواب لشرط محذوف؛ تقديره: وأعطوهم حقهم من الطاعة وعدم الخروج عليهم، وإن لَمْ يعطوكم حقكم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم من حقوقكم، والله أعلم.
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن كلّ مسلم يجب عليه أن يهتم بأداء ما عليه من الحقوق دون أن يهمل واجبه، ويتصدى للآخرين في أداء ما عليهم، فيجب على الشعب أن يهتموا بأداء ما عليهم من حق أميرهم، ويجب على الأمير أن يهتم بما عليه من حقوقهم، لا أن يطالب كلّ أحد الآخر بما له عليه من الحق،