وقال في "سبل السلام": وفي الحديث دلالة على جواز استدامة الطيب بعد الإحرام، وأنه لا يضر بقاء لونه وريحه، وإنما يحرم ابتداؤه في حال الإحرام، وإلى هذا ذهب جماهير الأمة من الصحابة والتابعين.
وذهب جماعة منهم إلى خلافه، وتكلفوا لهذه الرواية ونحوها بما لا يتم به مدعاهم؛ فإنهم قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم تطيب ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب، ومنهم من زعم أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتم ثبوت الخصوصية إلا بدليل عليها، بل الدليل قائم على خلافها؛ وهو ما ثبت من حديث عائشة:(وكنا ننضح وجوهنا بالطيب المسك قبل أن نحرم فنعرق، فنغسل وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينهانا). رواه أبو داوود، وأحمد بلفظ:(وكنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمخ جِبَاهَنا بالمسك الطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا .. سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا).
ولا يقال هذا خاص بالنساء؛ لأن الرجال والنساء في الطيب سواء بالإجماع، والطيب يحرم بعد الإحرام لا قبله، وإن دام حاله؛ فإنه كالنكاح؛ لأنه من دواعيه، والنكاح إنما يمنع المحرم من ابتدائه لا من استدامته، فكذلك الطيب، ولأن الطيب من النظافة؛ حيث إنه يقصد به دفع الرائحة الكريهة؛ كما يقصد بالنظافة إزالة ما يجمعه الشعر والظفر من الوسخ، ولذا استحب أن يأخذ قبل الإحرام من شعره وأظفاره؛ لكونه ممنوعًا منه بعد الإحرام وإن بقي أثره بعده.
وأما حديث مسلم في الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم يسأله كيف يصنع في عمرته، وكان الرجل قد أحرم وهو متضمخ بالطيب، فقال صلى الله