من مزدلفة إلى منًى، (فقال الله عز وجل) في أمرهم: ({ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ})(١).
أي:({ثُمَّ}) بعد وقوفكم بعرفة يا معشر قريش وذكركم عند المشعر الحرام ({أَفِيضُوا}) أي: ارجعوا يا معشر قريش ({مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}) غيركم من سائر العرب وعامة الناس؛ أي: ارجعوا من المزدلفة إلى منًى قبل طلوع الشمس للرمي والنحر، إن قلنا: إنه خطاب لقريش، وأمر لهم بالإفاضة من حيث أفاض غيرهم، فعلى هذا القول؛ المراد بالناس: جميع العرب سوى الحمس، والقول الثاني: إنه خطاب لسائر المسلمين؛ والمراد بالناس: إبراهيم وإسماعيل وأتباعهما، والمعنى على هذا القول: ثم بعد ذكركم أيها المسلمون عند المشعر الحرام ارجعوا من المزدلفة إلى منًى حيث أفاض الناس؛ أي: ارجعوا إلى منًى للرمي والنحر في الوقت الذي أفاض ورجع فيه الناس؛ أي: إبراهيم وإسماعيل وأتباعهما؛ أي: ارجعوا قبل طلوع الشمس؛ كما رجع منها إبراهيم وإسماعيل في ذلك الوقت إلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان العرب الذين وقفوا بالمزدلفة يرجعون إلى منًى بعد طلوع الشمس، وهذا القول اختاره الضحاك، لكن القول الأول هو الأصح الذي عليه جمهور المفسرين. انتهى من "الحدائق".
قال الخطابي: تضمَّنَ قولُه تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، الأَمْرَ بالوقوف بعرفة؛ لأن الإفاضة إنما تكون بعد اجتماعٍ قبله، وكذا قال ابن بطال، وزاد: وبيَّن الشارعُ مبتدأَ الوقوف بعرفة ومنتهاه. انتهى.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، فدرجته: أنه صحيح بما في "الصحيحين"