صلى الله عليه وسلم: لا ينفرن أحد) منكم؛ أي: لا يذهبن أحد منكم النفر الأول ولا النفر الثاني، أو: لا يخرجن أحد منكم من مكة؛ والمراد به: الآفاقي؛ والمراد بالنفر هنا: الإسراع للعود إلى بلادهم (حتى يكون آخر عهده) ولقائه وعمله الطواف (بالبيت) كما في رواية أبي داوود.
فظاهر هذا الحديث وجوب طواف الوداع على كل حاج غير مكي، وإليه ذهب أبو حنيفة في أحد قوليه؛ فإذا تركه .. وجب الدم، كذا في "المبارق".
ووجوبه على غير المكي؛ كما هو المبين في الفقه على غير الحائض من الآفاقي؛ فإنه خفف عنها؛ كما في الرواية التالية في "مسلم"، وفي "الموطأ": أن عمر بن الخطاب رد رجلًا من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع البيت. انتهى.
قال النووي: في هذا الحديث دلالة لوجوب طواف الوداع، وأنَّه إذا تركه .. لزمه دم، وهو الصحيح في مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء؛ منهم: الحسن البصري والحكم بن عتيبة وحَمَّاد والثوريُّ وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
وقال مالك وداوود ابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان؛ كالمذهبين. انتهى.
قال الحافظ: والذي رأيته في "الأوسط" لابن المنذر أنه واجب للأمر به، إلا أنه لا يجب بتركه شيء.
قال الشيخ الدهلوي: والسر في إيجاب طواف الوداع: تعظيم البيت؛ بأن يكون هو الأول وهو الآخر؛ تصويرًا لكونه هو المقصود من السفر، وموافقةً لعادتهم في توديع الوفد ملوكهم عند السفر، والله أعلم.