صلى الله عليه وسلم كونها هديًا، فلذلك قال له:(إنها بدنة)، والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكونها كانت مقلدة، فلذلك (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زاد في مراجعته: ("اركبها ويحك") أي: ألزمك الله الرحمة؛ وهي كلمة تقال لمن استحق الدعاء له بالرحمة والشفقة عليه.
واستدل بهذا الحديث على جواز ركوب الهدي، سواء كان واجبًا أو تطوعًا؛ لكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل صاحب الهدي من ذلك، فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك.
وأصرح من هذا ما أخرجه أحمد من حديث علي رضي الله تعالى عنه:(أنه سئل هل يركب هديه؟ فقال: لا بأس؛ قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون، فيأمرهم بركوب هديه) صلى الله عليه وسلم؛ أي: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إسناده صالح.
وبالجواز مطلقًا قال عروة بن الزبير، ونسبه ابن المنذر لأحمد وإسحاق، وبه قال أهل الظاهر، وهو الذي جزم به النووي في "الروضة" تبعًا لأصلها في الضحايا، ونقله في "شرح المهذب" عن القفال والماوردي، وفي رواية لمسلم:(اركبها ويلك) أي: ألزمك الله الهلاك.
قال السندي: الظاهر أن المراد به: مجرد الزجر لا الدعاء عليه، وقال القرطبي: قالها تأديبًا له؛ لأجل مراجعته له على عدم خفاء الحال عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها مقلدة كما في رواية مسلم، وبهذا جزم ابن عبد البر وابن العربي، وبالغ حتى قال: الويل لمن راجع في ذلك بعد هذا، قال: ولو أنه صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه ما اشترط .. لهلك ذلك الرجل لا محالة.