للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا".

===

(ليأرز) - بتقديم الراء على الزاي - من باب ضرب؛ أي: ليجتمع ويرجع (إلى المدينة) دار هجرته صلى الله عليه وسلم من مبدئه إلى يوم القيامة (كما تأرز) وتجتمع وترجع وتنضم (الحية إلى جحرها) وحفرتها.

قال القرطبي: وهذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار بما كان في عصره، وعصر من يليه من أصحابه وتابعيهم؛ من حيث إن المدينة دار هجرتهم ومُقامهم ومقصدهم وموضع رحلتهم لطلب العلم والدين، ومرجعهم فيما يحتاجون إليه من مهمات دينهم ووقائعهم، حتى لقد حصل للمدينة من الخصوصية بذلك ما لا يوجد في غيرها، وفيه حجة على صحة مذهب مالك في تمسكه بعمل أهل المدينة، وكونه حجة شرعية.

وقال أبو مصعب الزهري في معنى هذا الحديث: إنما المراد بالمدينة: أهل المدينة، وأنه تنبيه على صحة مذهبهم وسلامتهم من البدع المحدثات واقتدائهم بالسنن، والإيمان مجتمع عندهم وعند من سلك سبيلهم. انتهى من "المفهم".

وقال القاضي عياض: ومعنى الحديث: الإخبار عما اختصت به المدينة في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ من كونها ملجأ المهاجرين ومقصد المتشوقين لرؤيته صلى الله عليه وسلم للتبرك به والتعلم منه، وفي زمن الخلفاء؛ لأخذ سيرة العدل منهم، والاقتداء بجمهور الصحابة، وفي زمن التابعين فمن بعدهم؛ لأخذ السنة والعلم عمن بها من أئمة الهدى وسرج الوقت، وفي كل زمن إلى هلم جرًا؛ لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والتبرك بآثاره، التي لا يحمل عليه إلا صحة الإيمان، وكمال المحبة. انتهى، انتهى من "الكوكب".

قال الحافظ: إنها كما تنتشر الحية من جحرها في طلب ما تعيش به، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>