أجمع العلماء على جواز الأكل من هدي التطوع إذا بلغ محله؛ لقوله عز وجل:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا}(١).
واختلفوا في جواز الأكل فيما عدا هدي التطوع: فقال مالك: يؤكل من كل هدي سيق في الإحرام إلا جزاء الصيد وفدية الأذى وما نذر للمساكين، والأصل في ذلك عند مالك وأصحابه: أن كل ما دخله الإطعام من الهدي والنسك لمن لم يجده .. فسبيله سبيل ما جعل للمساكين، فلا يجوز الأكل منه، وما سوى ذلك يؤكل منه؛ لأن الله تعالى قد أطلق الأكل من الهدي، وهي من شعائر الله، فلا يجب أن يمتنع من كل شيء منها إلا بدليل لا معارض له، أو باجماع، وقد أجمعوا على إباحة الأكل من هدي التطوع إذا بلغ محله، ولم يجعلوه رجوعًا فيه، فكذلك كل هدي إلا ما اجتمعوا عليه.
وقال أبو حنيفة: يأكل من هدي التطوع ومن هدي المتعة إذا بلغ محله لا غير، وقال الشافعي: لا يأكل من شيء من الهدي الواجب، وقال: في معنى قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} أن ذلك في هدي التطوع لا في الواجب؛ بدليل الإجماع على أنه لا يأكل من جزاء الصيد وفدية الأذى، فكانت العلة في ذلك أنه دم واجب في الإحرام؛ من أجل ما أتاه المحرم، فكل هدي وجب على المحرم بسبب فعل أتاه .. فهو بمنزلته، والواجبات لا يجوز الرجوع في شيء منها؛ كالزكاة، وباللهِ التوفيقُ. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحج، باب لا يعطى الجزار من الهدي، ومسلم في كتاب الحج، باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها، وأبو داوود في كتاب المناسك، باب كيف تنحر