(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا عملت) يا أبا ذر، وطبخت (مرقة) سواء كانت من لحم أو غيرها؛ كالسلق والبطاطس والطماطم؛ والمعنى: إذا طبخت لحمًا، أو طبخت قدرًا من غير اللحم؛ كالسلق وغيره .. (فأكثر ماءها) أي: ماء تلك المرقة؛ لتهدي لجيرانك (واغترف) بالملعقة (لجيرانك منها) أي: من تلك المرقة؛ أي: أعط غرفة منها لجيرانك.
قال في "القاموس": غرف الماء يغرفه؛ من باب ضرب: أخذه بيده؛ كاغترفه؛ والغرفة: - بفتح الغين المعجمة -: المرة. انتهى.
ولفظ مسلم:(يا أبا ذر؛ إذا طبخت) لحمًا وجعلت له (مرقةً .. فأكثر ماءها) أي: ماء المرقة (وتعاهد) تذكر (جيرانك) بتلك المرقة وأهدها إليهم، وواسهم بها؛ لتوفي حقوق الجيران، وفي "السنوسي": وهذا أمر ندب وإرشاد إلى مكارم الأخلاق.
قال الأبي: قوله: (جيرانك) جمع جار، ولكن يخصصه قوله في الحديث الآخر:(ثم انظر أهل بيت من جيرانك) فبالبيت الواحد يخرج من العهدة.
ومعنى (وتعاهد جيرانك) أي: وابحث عن أحوالهم وأعطهم من المرقة إن احتاجوا إليها.
وفيه فضل الإيثار، وأن يقلل الرجل من ترفهه وتنعمه؛ ليسد حاجة أخيه المسلم.
وقوله:"فأكثر ماءها" فيه تنبيه لطيف على تيسير الأمر على البخيل؛ إذ الزيادة المأمور بها إنما هي فيما ليس له ثمن، وهو الماء؛ ولذلك لم يقل: إذا طبخت مرقة .. فأكثر لحمها أو طبيخها؛ إذ لا يسهل ذلك على كل أحد، وهذا الأمر على جهة الندب والحض على مكارم الأخلاق، وإرشاد إلى محاسنها؛ لما