(و) كان صلى الله عليه وسلم أيضًا (يكره الطيرة) أي: التشاؤم بمرور الطير، ولكن المراد بالطيرة هنا: الفأل القبيح؛ لأنها في مقابلة الفأل الحسن؛ وهي أن تسمع في حال طلب حاجتك من يقول: يا محروم، يا مصعب، يا متعب، يا عاص، يا عيصُ، أو ترى من يفعل فعلًا سيئًا وأمرًا قبيحًا؛ كأن ترى من يسرق أموال الناس أو يغصبها، أو من يقتل الناس ظلمًا أو يضربهم ظلمًا، فلا تتطير بذلك وامض في حوائجك.
وزيد في رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة عند مسلم:(وخيرها) أي: خير الطيرة (الفأل الصالح) وهو أن تسمع في حال طلب الضالة مثلًا من يقول: يا واجد، يا غانم، أو في طلب حاجتك: يا ياسر، يا فائز، يا سهل، يا سهيل، أو ترى من يفعل الخيرات؛ كتوزيع الأموال والتصدق بها وقسم الغنائم أو الفيء أو التركة.
والمعنى:(وخيرها) أي: وخير أنواع الطيرة بالمعنى اللغوي الأعم من المأخذ الأصلي (الفأل) أي: الفأل الحسن بالكلمة الحسنة، لا المأخوذة من الطيرة، ولعل الشارح أراد دفع هذا الأشكال، فقال: أي الفأل خير من الطيرة. انتهى.
والمعنى: أن الفأل محض خير؛ كما أن الطيرة محض شر، فالتركيب من قبيل قولهم:(العسل أحلى من الخل، والشتاء أبرد من الصيف). انتهى من "المرقاة".
وفي "السنوسي": الضمير في قوله: (وخيرها) راجع إلى الطيرة، ومعلوم أنه لا خير فيها فيما تقتضيه المفاضلة من الشركة في الخير هو بالنسبة إلى زعمهم، أو يكون من باب قولهم:(العسل أحلى من الخل).