قال المعافى: وقد حدّث هاشم هذا حديثا كثيرا وكتبنا عنه إلا أن هذه الحكاية حدّثني بها هذا الشيخ الذي قدمت ذكره.
قال أبو العبّاس هاشم بن القاسم: كنت بحضرة المهتدى عشية من العشايا، فلما كادت الشمس تغرب، وثبت لأنصرف- وذلك في شهر رمضان- فقال لي:
اجلس. فجلست ثم إن الشمس غابت وأذن المؤذّن لصلاة المغرب وأقام، فتقدم المهتدى فصلى بنا، ثم ركع وركعنا ودعا بالطعام فأحضر طبق خلاف وعليه رغف من الخبر النقي وفيه آنية في بعضها ملح، وفي بعضها خل، وفي بعضها زيت.
فدعاني إلى الأكل فابتدأت آكل معذرا ظانا أنه سيؤتى بطعام له نيقة، وفيه سعة.
فنظر إلى وقال لي: ألم تك صائما؟ قلت بلى. قال: أفلست عازما على صوم غد؟
فقلت: كيف لا وهو شهر رمضان؟! فقال: فكل واستوف غداءك فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى. فعجبت من قوله، ثم قلت: والله لأخاطبنه في هذا المعنى، فقلت:
ولم يا أمير المؤمنين وقد أسبغ الله نعمه، وبسط رزقه، وكثر الخير من فضله؟ فقال: إن الأمر لعلى ما وصفت فالحمد لله، ولكنني فكرت في أنه كان في بنى أميّة عمر بن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك، فغرت على بنى هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله، فأخذت نفسي بما رأيت.
أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح أنبأنا أحمد بن إبراهيم البزّاز حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة- وذكر المهتدى- فقال حدّثني بعض الهاشميين أنه وجد له سفط فيه جبة صوف وكساء وبرنس كان يلبسه بالليل ويصلى فيه، وكان يقول: أما يستحى بنو العبّاس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز؟! وكان قد اطّرح الملاهي، وحرم الغناء، والشراب، وحسم أصحاب السلطان عن الظلم، وضرب جماعة من الرؤساء، وكان مع حسن مذهبه وإيثار العدل شديد الإشراف على أمر الدواوين والخراج، يجلس بنفسه في الحسبانات ولا يخل بالجلوس يوم الاثنين والخميس والكتاب بين يديه.
حدّثنا الحسن بن أبي بكر حدّثنا عيسى بن موسى بن أبي محمّد بن المتوكل على الله حدّثنا محمّد بن خلف بن المرزبان حدّثني العبّاس بن يعقوب حدّثني أحمد بن سعيد الأموى. قال: كانت لي حلقة وأنا بمكة أجلس فيها في المسجد الحرام ويجتمع