[باب القول في حكم بلد بغداد وغلته وما جاء في جواز بيع أرضه وكراهته]
أول ما نبدأ في كتابنا هذا: ذكر أقوال العلماء في أرض بغداد وحكمها وما حفظ عنهم من الجواز والكراهة لبيعها؛ فذكر عن غير واحد منهم أن بغداد دار غصب لا تشترى مساكنها ولاتباع. ورأى بعضهم نزولها باستئجار؛ فإن تطاولت الأيام فمات صاحب منزل أو حانوت أو غير ذلك من الأبنية لم يجيزوا بيع الموروث؛ بل رأوا أن تباع الأنقاض دون الأرض، لأن الأنقاض ملك لأصحابها وأما الأرض فلا حق لهم فيها إذ كانت غصبا.
أنبأنا أبو القاسم الأزهري، أنبأنا أحمد بن محمّد بن موسى القرشيّ، وأنبأنا أبو محمّد الحسن بن على الجوهريّ، أنبأنا محمّد بن العبّاس الخزّاز. قالا: أنبأنا أحمد بن محمّد بن جعفر أبو الحسين، حدّثني أبو الفضل جعفر بن محمّد المؤدّب: أن أباه لما مات أرادت والدته أن تبيع دارا ورثاها. فقالت لي: يا بني امض إلى أحمد بن حنبل وإلى بشر بن الحارث فسلهما عن ذلك؛ فإني لا أحب أن أقطع أمرا دونهما، وأعلمهما أن بنا حاجة إلى بيعها. قال: فسألتهما عن ذلك، فاتفق قولاهما على بيع الأنقاض دون الأرض، فرجعت إلى والدتي فأخبرتها بذلك فلم تبعها. ومنع جماعة من العلماء من بيع أرض بغداد لكونها من أرض السواد؛ وأرض السواد عندهم موقوفة لا يصح بيعها. وأجازت طائفة بيعها؛ واحتجت بأن عمر بن الخطّاب أقر السواد في أيدي أهله، وجعل أخذ الخراج منهم عوضا عن ذلك.
وكان غير واحد من السلف يكره سكنى بغداد والمقام بها، ويحث على الخروج منها.
وقيل: إن الفضيل بن عياض كان لا يرى الصلاة في شيء من بغداد لأجل أنها عنده غصب.
أخبرنا أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أحمد بن محمّد بن موسى القرشيّ، وأخبرنا الحسن بن على الجوهري، أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزّاز، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن محمّد بن عبيد الله المنادي نبّأ أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن بكر بن خالد النّيسابوريّ المعروف بابن القصير، نبّأ عمر بن أيّوب، قال: سألت الفضيل بن عياض عن المقام ببغداد. فقال لي: لا تقم بها واخرج عنها فإن أخبثهم مؤذنوهم.