فقال: هات الغوالي كلها، فأحضرت الحباب كلها فجعل يخرج من كل حب مائة مثقال، وخمسين، وأقل وأكثر، فيشمه ويفرقه على من بحضرته حتى انتهى إلى حب الواثق واستطابه فقال: هاتم عتيدة حتى يخرج إليها من هذا ما يستعمل، فجاءوه بعتيدة وكانت عتيدة المكتفي بعينها، ورأى الحب ناقصا والعتيدة فيها قدح الغالية ما استعمل منه كبير شيء، فقال: ما السبب في هذا؟ فأخبرته بالخبر على شرحه، فأخذ يعجب من بخل الرجلين ويضع منهما بذلك، ثم قال: فرقوا الحب بأسره على الجواري، فما زال يخرج منه أرطالا أرطالا، وأنا أتمزق غيظا، وأذكر حديث العنب وكلام مولاي المعتضد، إلى أن مضى قريب من نصف الحب، فقلت له: يا مولاي إن هذه الغالية أطيب الغوالي وأعتقها، ومالا يعتاض منه، فلو تركت ما بقي فيها لنفسك وفرقت من غيرها كان أولى. قال: وجرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد فاستحيا منى ورفع الحب، فما مضت إلا سنين من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي، واحتاج أن عجن غالية بمال عظيم.
أخبرنا علي بن المحسن بن علي قال: حدّثني أبي قال: أجرى في مجلس أبي يوما ذكر المقتدر بالله وأفعاله، فقال بعض الحضار: كان جاهلا. فقال أبي: مه؟ فإنه لم يكن كذلك، وما كان إلا جيد العقل صحيح الرأي، ولكنه كان مؤثرا للشهوات، ولقد سمعت أبا الحسن علي بن عيسى يقول- وقد جرى ذكره بحضرته في خلوة- ما هو إلا أن يترك هذا الرجل النبيذ خمسة أيام متتابعة حتى يصح ذهنه، فأخاطب منه رجلا ما خاطبت أفضل منه، ولا أبصر بالرأي، ولا أعرف بالأمور، وأسد في التدبير، ولو قلت إنه إذا ترك النبيذ هذه المدة في أصالة الرأي، وصحة العقل كالمعتضد والمأمون، ومن أشبههما من الخلفاء ما خشيت أن أقع بعيدا.
حدّثني عبيد الله بن أبي الفتح عن طلحة بن محمّد بن جعفر. قال: ولليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة، قتل المقتدر فوق رقة الشّمّاسية.
٣٦٩٣ - جعفر بن محمّد بن مرشد، أبو القاسم البزّاز:
حدث عن عبّاس بن يزيد البحراني، والحسن بن عرفة العبدي. روى عنه علي بن محمّد بن لؤلؤ، وأبو الحسن الدارقطني، ويوسف بن عمر القواس، وغيرهم.
أخبرنا علي بن أبي علي قال: قال لنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان: توفى أبو القاسم بن مرشد البزّاز في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.