أهدى الردى للثرى إذ نال مهجته … نجما على من يعادي الحق مصبوبا
كان الزمان به تصفو مشاربه … فالآن أصبح بالتكدير مقطوبا
كلا وأيامه الغر التي جعلت … للعلم نورا وللتقوى محاريبا
لا ينسري الدهر عن شبه له أبدا … ما استوقف الحج بالأنصاب أركوبا
أوفى بعهد وأورى عند مظلمة … زندا وآكد إبراما وتأديبا
منه وأرصن حلما عند مزعجة … تغادر القلّبيّ الذهن منخوبا
إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة … أعاد منهجها المطموس ملحوبا
لا يعزب الحلم في عتب وفي نزق … ولا يجرع ذا الزلات تثريبا
لا يولج اللغو والعوراء مسمعه … ولا يفارق ما يغشيه تأنيبا
إن قال قاد زمام الصدق منطقه … أو آثر الصمت أولى النفس تهييبا
لقلبه ناظرا تقوى سما بهما … فأيقظ الفكر ترغيبا وترهيبا
تجلو مواعظه رين القلوب كما … يجلو ضياء سنا الصبح الغياهيبا
سيان ظاهره البادي وباطنه … فلا تراه على العلات مجدوبا
لا يأمن العجز والتقصير مادحه … ولا يخاف على الإطناب تكذيبا
ودّت بقاع بلاد الله لو جعلت … قبرا له فحباها جسمه طيبا
كانت حياتك للدنيا وساكنها … نورا فأصبح عنها النور محجوبا
لو تعلم الأرض ما وارت لقد خشعت … أقطارها لك إجلالا وترحيبا
كنت المقوّم من زيغ ومن ظلع … وفّاك نصحا وتسديدا وتأديبا
وكنت جامع أخلاق مطهرة … مهذبا من قراف الجهل تهذيبا
فإن تنلك من الأقدار طالبة … لم يثنها العجز عما عزّ مطلوبا
فإن للموت وردا ممقرا فظعا … على كراهته لا بدّ مشروبا
إن يندبوك فقد ثلّث عروشهم … وأصبح العلم مرثيا ومندوبا
ومن أعاجيب ما جاء الزمان به … وقد يبين لنا الدهر الأعاجيبا
أن قد طوتك غموض الأرض في لحف … وكنت تملأ منها السهل واللوبا
٥٩٠ - محمّد بن جمعة بن خلف، أبو قريش القهستانيّ (١):
كان ضابطا متقنا حافظا، كثير السماع والرحلة، جمع المسندين على الرجال
(١) ٥٩٠ - انظر: المنتظم لابن الجوزي ١٣/ ٢٥٤، والأنساب للسمعاني ١٠/ ٢٧١.