للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأخبرني أن مولده في آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، ولم يؤذن به أحد، واجتمع عليه من لا يحصيهم عددا إلا الله، وصلّي على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب، فقال ابن الأعرابي في مرثية له طويلة:

حدث مفظع وخطب جليل … دق عن مثله اصطبار الصبور

قام ناعي العلوم أجمع لما … قام ناعي محمد بن جرير

فهوت أنجم لها زاهرات … مؤذنات رسومها بالدثور

وتغشى ضياءها النير الإش … راق ثوب الدّجنة الديجور

وغدا روضها الأنيق هشيما … ثم عادت سهولها كالوعور

يا أبا جعفر مضيت حميدا … غير وان في الجد والتشمير

بين أجر على اجتهادك موفو … ر وسعى إلى التقى مشكور

مستحقا به الخلود لدى جن … ة عدن في غبطة وسرور

قرأت على أبي الحسين هبة الله بن الحسن الأديب لأبي بكر محمّد بن الحسن بن دريد يرثي أبا جعفر الطّبريّ:

لن تستطيع لأمر الله تعقيبا … فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبا

وأفزع إلى كنف التسليم وارض بما … قضى المهيمن مكروها ومحبوبا

إن العزاء إذا عزته جائحة … ذلت عريكته فانقاد مجنوبا

فإن قرنت إليه العزم أيده … حتى يعود لديه الحزن مغلوبا

فارم الأسى بالأسى يطفى مواقعها … جمرا خلال ضلوع الصدر مشبوبا

الأسى: الحزن، والأسى جمع أسوة، كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.

من صاحب الدهر لم يعدم مجلجلة … يظل منها طوال العيش منكوبا

إنّ البلية لا وفر تزعزعه … أيدي الحوادث تشتيتا وتشذيبا

ولا تفرق ألّاف يفوت بهم … بين يغادر حبل الوصل مقضوبا

لكن فقدان من أضحى بمصرعه … نور الهدى وبهاء العلم مسلوبا

أودى أبو جعفر والعلم فاصطحبا … أعظم بذا صاحبا إذ ذاك مصحوبا

إنّ المنية لم تتلف به رجلا … بل أتلفت علما للدين منصوبا

<<  <  ج: ص:  >  >>