فمنهم من يبكي، ومنهم من يزعق، وهو في كلامه. فصعدت الغرفة لأتعرف حال أبي عبد الله، فوجدته قد بكى حتى غشي عليه، فانصرفت إليهم ولم تزل تلك حالهم حتى أصبحوا فقاموا وتفرقوا، فصعدت إلى أبي عبد الله وهو متغير الحال، فقلت:
كيف رأيت هؤلاء يا أبا عبد الله؟ فقال: ما أعلم أني رأيت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل، وعلى ما وصفت من أحوالهم فإني لا أرى لك صحبتهم، ثم قام وخرج.
أنبأنا البرقانيّ، حدّثنا يعقوب بن موسى الأردبيلي، حدّثنا أحمد بن طاهر بن النّجم الميانجي، حدّثنا سعيد بن عمرو البرذعيّ قال: شهدت أبا زرعة- وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه- فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب، قيل له في هذه الكتب عبرة، قال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس. وسفيان الثوري والأوزاعي، والأئمة المتقدمين، صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟ هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم، يأتونا مرة بالحارث المحاسبي، ومرة بعبد الرّحيم الديبلي، ومرة بحاتم الأصم، ومرة بشقيق، ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع.
حدثت عن دعلج بن أحمد قال: سمعت القاضي الحسين بن إسماعيل المحامليّ يقول: قال لي أبو بكر بن هارون بن المجدر: سمعت جعفر بن أخي أبي ثور يقول:
حضرت وفاة الحارث- يعني المحاسبي- فقال: إن رأيت ما أحب تبسمت إليكم، وإن رأيت غير ذلك تبينتم في وجهي. قال: فتبسم ثم مات.
أنبأنا إسماعيل بن أحمد الحيرى، أنبأنا أبو عبد الرّحمن محمّد بن الحسين السلمي قال: سمعت أبا القاسم النصرآباذي يقول: بلغني أن الحارث المحاسبي تكلم في شيء من الكلام فهجره أحمد بن حنبل، فاختفى في دار ببغداد ومات فيها، ولم يصل عليه إلّا أربعة نفر، ومات سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
٤٣٣١ - الحارث بن مسكين بن محمّد بن يوسف، أبو عمرو المصري، مولى محمّد بن زبان بن عبد العزيز بن مروان (١):
رأى الليث بن سعد، وسأله، وسمع سفيان بن عيينة الهلالي، وعبد الرّحمن بن