فجعله في كمه وقام فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن. فقال: ما إلى ذلك سبيل قد وهبته لي! قال: فمنعناه منه قلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام فتركه عليه.
وقال أبو الحسن: كان عبدان والد المتنبي يذكر أنه من جعفي وكانت جدة المتنبي همدانية صحيحة النسب لا أشك فيها. وكانت جارتنا وكانت من صلحاء النساء الكوفيّات. قال التنوخي قال أبي: فاتفق مجيء المتنبي بعد سنين إلى الأهواز منصرفا من فارس فذكرته بأبى الحسن. فقال: تربى وصديقي وجارى بالكوفة، وأطراه ووصفه.
وسألت المتنبي عن نسبه فما اعترف لي به. وقال: أنا رجل أحيط القبائل، وأطوى البوادي وحدي، ومتى انتسب لم آمن أن يأخذنى بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي أنتسب إليها، وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم ويخافون لساني. قال واجتمعت بعد موت المتنبي. بسنين مع القاضي أبي الحسن بن أم شيبان الهاشمي الكوفيّ وجرى ذكر المتنبي. فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخا يسمى عبدان يستقى على بعير له، وكان جعفيا صحيح النسب. قال: وقد كان المتنبي لما خرج إلى كلب وأقام فيهم ادعى أنه علوي حسنى، ثم ادعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعى أنه علوي، إلى أن أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعويين، وحبس دهرا طويلا، وأشرف على القتل. ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق.
أخبرنا التنوخي حدّثني أبي قال حدثني أبو على بن أبي حامد قال سمعت خلقا بحلب يحكون- وأبو الطّيّب المتنبي بها إذ ذاك- أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج إليه لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيدية فقاتله وأنفره، وشرد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب، وحبسه في السجن حبسا طويلا، فاعتل وكاد أن يتلف حتى سئل في أمره فاستتابه، وكتب عليه وثيقة أشهد عليه فيها ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام، وأنه تائب منه ولا يعاود مثله وأطلقه. قال: وكان قد تلا على البوادي كلاما ذكر أنه قرآن أنزل عليه، وكانوا يحكون له سورا كثيرة، نسخت منها سورة ضاعت وبقي أولها في حفظي وهي:
والنجم السيّار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي أخطار، امض على سننك، واقف أثر من كان قبلك من المرسلين فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه، وضل عن سبيله. قال: وهي طويلة لم يبق في حفظي منها غير هذا. قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة- ونحن إذ ذاك بحلب- نذكر له هذا القرآن وأمثاله مما كان يحكى عنه فينكره، ويجحده، قال وقال له ابن خالويه النحوي