للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فجلست أنظر كيف يفعلون. فقال: أي بني، دينك ودين آبائك خير من دينهم.

فقلت: لا والله ما هو خير من دينهم. هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له، ونحن نعبد نارا نوقدها بأيدينا إذا تركناها ماتت.

فخافني فجعل في رجلي حديدا وحبسني في بيت عنده، فبعثت إلى النصارى فقلت لهم: أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ فقالوا: بالشام. فقلت لهم: إذا قدم عليكم من هناك ناس فآذنوني. قالوا: نفعل فقدم عليهم ناس من تجارهم فبعثوا إليّ إنه قد قدم علينا تجار من تجارنا، فبعثت إليهم إذا قضوا حاجة من حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني بهم. فقالوا: نفعل فلما قضوا حوائجهم وأرادوا الرحيل بعثوا إلي بذلك، فطرحت الحديد الذي في رجلي ولحقت بهم، فانطلقت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف صاحب الكنيسة، فجئته فقلت له: إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأعبد الله فيها معك، وأتعلم منك الخير. قال: فكن معي.

قال: فكنت معه، وكان رجل سوء، كان يأمرهم بالصّدقة ويرغّبهم فيها. فإذا جمعوها إليه اكتنزها ولم يعط المساكين منها شيئا، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله، فلم ينشب أن مات، فلما جاءوا ليدفنوه قلت لهم: إن هذا رجل سوء، كان يأمركم بالصّدقة ويرغبكم فيها؛ حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها إليه ولم يعطها المساكين. فقالوا: وما علامة ذلك؟ فقلت: أنا أخرج إليكم كنزه. فقالوا: فهاته؛ فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا؛ فلما رأوا ذلك قالوا: والله لا يدفن أبدا، فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه؛ فلا والله يا ابن العبّاس ما رأيت رجلا قط يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه؛ ولا أشد اجتهادا؛ ولا أزهد في الدّنيا؛ ولا أدأب ليلا ونهارا منه. ما أعلمني أحببت شيئا قط قبل حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة. فقلت: يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله وإني والله ما أحببت شيئا قط حبي لك فماذا تأمرني؟ وإلى من توصيني؟ فقال لي: أي بني والله ما أعلمه إلا رجلا بالموصل فأته فإنك ستجده على مثل حالي؛ فلما مات وغيّب لحقت بالموصل.

فأتيت صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة في الدّنيا. فقلت له إن فلانا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك. فقال: فأقم أي بني، فأقمت عنده على

<<  <  ج: ص:  >  >>