العربية. كثير الحديث، حسن الفهم له، والبصيرة فيه، وصنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاريّ ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري، وشعبة، وأيّوب، وعبيد الله بن عمرو، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الورّاق، وغيرهم من الشيوخ. ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته، ومات وهو يجمع حديث مسعر.
وكان حريصا على العلم منصرف الهمة إليه، وسمعته يوما يقول لرجل من الفقهاء- معروف بالصلاح وقد حضر عنده- ادع الله أن ينزع شهوة الحديث من قلبي. فإن حبه قد غلب عليّ فليس لي اهتمام بالليل والنهار إلا به، أو نحو هذا من القول. وكنت كثيرا أذاكره بالأحاديث فيكتبها عني ويضمنها مجموعه.
ولقد حدّثني أبو الفضل عيسى بن أحمد الهمذاني، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن غالب الخوارزميّ- في سنة عشرين وأربعمائة- قال: حدّثني أحمد بن علي ابن ثابت الخطيب، حدّثنا أبو سعيد محمّد بن موسى الصّيرفيّ- بنيسابور- حدّثنا محمّد بن يعقوب الأصم، حدّثنا محمّد بن إسحاق الصاغاني، حدّثنا أبو يزيد الهرويّ، حدّثنا شعبة، عن محمّد بن أبي النوار قال: سمعت رجلا من بني سليم يقال له خفاف قال: سألت ابن عمر عن صوم ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم. قال:
إذا رجعت إلى أهلك. قال أبو بكر- يعني الصاغاني- لم يرو هذا الحديث إلّا أبو زيد الهرويّ.
ثم سمعت أنا أبا بكر البرقانيّ يرويه عني بعد أن حدّثنيه عيسى عنه، وكان أبو بكر قد كتبه عني في سنة تسع عشرة وأربعمائة، وقال لي: لم أكتب هذا الحديث إلا عنك. وكتب عني بعد ذلك شيئا كثيرا من حديث التّوزيّ ومسعر وغيرهما، مما كنت أذاكره به.
سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: البرقانيّ إمام، وإذا مات ذهب هذا الشأن- يعني الحديث-.
حدّثني أحمد بن غانم الحمامي- وكان شيخا صالحا يديم الحضور معنا في مجالس الحديث-. قال: انتقل أبو بكر البرقانيّ من الكرخ إلى قرب باب الشعير فسألني أن أشرف على حمالي كتبه وقال: إن سئلت عنها في الكرخ فعرفهم أنها دفاتر لئلا يظن أنها إبريسم، وكانت ثلاثة وستين سفطا وصندوقين، كل ذلك مملوء كتبا! وقال لي عيسى بن أحمد الهمذاني: لم ينظر في كتب البرقانيّ كلها من أصحاب