درهما، وأشرط لك أني أعطيك إياه أبدا إلى أن يفرق الموت بيننا استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه. قال: فلزمته وكنت أخدمه في أموره مع ذلك وأعطيه الدرهم، فينصحني في العلم حتى استقللت، فجاءه كتاب بعض بني مارمة (١) من الصراة يلتمسون معلما نحويّا لأولادهم، فقلت له: أسمني لهم، فأسماني فخرجت فكنت أعلمهم وأنفد إليه كل شهر ثلاثين درهما، وأتفقده بعد ذلك بما أقدر عليه، ومضت مدة على ذلك، فطلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدبا لابنه القاسم فقال له: لا أعرف لك إلّا رجلا زجاجا بالصراة مع بني مارمة، قال: فكتب إليهم عبيد الله فاستنزلهم عني فتركوني له فأحضرني وأسلم القاسم إليّ، فكان ذلك سبب غناي. وكنت أعطي المبرد ذلك الدرهم في كل يوم إلى أن مات، ولا أخليه من التفقد معه بحسب طاقتي.
وأخبرني علي بن أبي علي، أخبرني أبي، حدّثني أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن عبّاس القاضي، حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن السّري الزّجّاج. قال: كنت أؤدب القاسم بن عبيد الله وأقول له: إن بلغك الله مبلغ أبيك ووليت الوزارة ماذا تصنع بي؟
فيقول: ما أحببت. فأقول له: تعطيني عشرين ألف دينار؟ وكانت غاية أمنيتي، فما مضت إلّا سنون حتى ولى القاسم الوزارة وأنا على ملازمتي له، وقد صرت نديمه، فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد ثم هبته، فلما كان في اليوم الثالث من وزارته قال لي: يا أبا إسحاق لم أرك أذكرتني بالنذر! فقلت: عولت على رعاية الوزير أيده الله، وأنه لا يحتاج إلى إذكار لنذر عليه في أمر خادم واجب الحق، فقال لي: إنه المعتضد، ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد، ولكن أخاف أن يصير لي معه حديث فاسمح لي بأخذه متفرقا. فقلت: يا سيدي أفعل. فقال: اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار، واستعجل عليها ولا تمتنع من مسألتي شيئا تخاطب فيه، صحيحا كان أو محالا، إلى أن يحصل لك مال النذر. قال: ففعلت ذلك وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعا فيوقع فيها، وربما قال لي: كم ضمن لك على هذا فأقول كذا وكذا، فيقول غبنت، هذا يساوي كذا وكذا، ارجع فاستزد فأراجع القوم فلا أزال أماكسهم ويزيدونني حتى أبلغ الحد الذي رسمه، قال: وعرضت عليه شيئا عظيما، فحصلت عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها في مديدة، فقال لي بعد شهور: يا أبا