الراضي بالله. وخلع المقتدر، واحتجوا في ذلك لصغر سنه وقصوره عن بلوغ الحلم، ونصبوا عبد الله بن المعتز للأمر في يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين، وسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وبايعوا له بالخلافة. ثم فسد الأمر وبطل من الغد في يوم الأحد وثبت أمر المقتدر بالله، وجددت له البيعة الثانية في يوم الاثنين.
وظفر بعبد الله بن المعتز، فقتل وقتل جماعة ممن سعى في أمره. والمرة الثانية في الخلع بعد إحدى وعشرين سنة وشهرين ويومين من خلافته، اجتمع القواد والجند الأكابر والأصاغر مع مؤنس الخادم ونازوك على خلعه، فقهروه وخلعوه وطالبوه بأن يكتب رقعة بخطه يخلع نفسه فيها، ففعل، وأشهد على نفسه بذلك. وأحضروا محمّد بن المعتضد بالله فنصبوه للأمر وسموه القاهر بالله وسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وذلك يوم السبت للنصف من المحرم سنة سبع عشرة وثلاثمائة. فأقام الأمر على ذلك يوم السبت ويوم الأحد. فلما كان يوم الاثنين اختلف الجند وتغير رأيهم ووثبت طائفة منهم على نازوك وعبد الله بن حميدان المكني بأبي الهيجاء، فقتلوهما وأقيم القاهر من مجلس الخلافة وأعيد المقتدر بالله إلى داره وجددت له بيعة. وكان قد تبرأ من الأمر يومين وبعض الثالث، ولم يكن وقع للقاهر بيعة في رقاب الناس، وقتل المقتدر بالله بباب الشّمّاسية وسنه ثمان وثلاثون سنة وشهر وأيام. قال أبو محمّد: وكان رجلا ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، جميل الوجه، أبيض مشربا حمرة، حسن الخلق، حسن العينين، بعيد ما بين المنكبين، جعد الشعر، مدور الوجه، قد كثر الشيب في رأسه وأخذ في عارضيه أخذا كثيرا، كذا رأيته في اليوم الذي قتل فيه، وأمه أم ولد يقال لها شغب، أدركت خلافته.
أخبرنا علي بن أبي علي البصريّ حدّثنا أبو منصور القشوري شيخ من الجند المولدين. قال: كنت أخدم وأنا حدث في دار لنصر القشوري المرسومة بالحجبة من دار المقتدر بالله، فركب المقتدر يوما على غفلة وعبر إلى بستان الخلافة المعروف بالزبيدية، في نفر من الخدم والغلمان- وأنا مشاهد لذلك- وتشاغل أصحاب الموائد والطباخون بحمل الآلات والطعام وتعبيتها في الخون، فأبطأت وعجل هو في طلب الطعام، فقيل له: لم يحمل بعد، فقال: انظروا ما كان. قال: فخرج الخدم كالمتحيرين ليس يجسرون أن يعودوا فيقولوا ما جاء شيء، وهم يبادرون فيما يعملون، فسمعهم جعفر- ملاح طيار المقتدر والرئيس على الملاحين برسم الخدمة كلهم- فقال: إن كان ينشط مولانا لأكل طعام الملاحين فمعي ما يكفيه، فمضوا فقالوا له فقال: هاتوا