أرى لأحد أن يناضل عن أحد من هؤلاء، فإنهم إن تهتكوا يوما قيل لهذا المناضل أنت من أصحابه، وإن طلب يوما طلب هذا به، لا ينبغي لمن يعقل أن يمدح هؤلاء، ثم قال لي: ترى داود هذا؟ لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم لظننت أنه يكمد أهل البدع بما عنده من البيان والآلة، ولكنه تعدى، لقد قدم علينا من نيسابور فكتب إلى محمّد بن رافع ومحمّد بن يحيى وعمرو بن زرارة وحسين بن منصور ومشيخة نيسابور بما أحدث هناك، فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه، ولم أبدله شيئا من ذلك، فقدم بغداد وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن، فكلم صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه فقال له: رجل سألني أن يأتيك؟ قال ما اسمه؟ قال داود، قال من أين؟ قال من أهل أصبهان، قال: أى شيء صناعته؟ قال وكان صالح يروغ عن تعريفه إياه، فما زال أبو عبد الله يفحص عنه حتى فطن فقال هذا قد كتب إليّ محمّد بن يحيى النّيسابوري في أمره إنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني. قال يا أبت ينتفي من هذا وينكره، فقال أبو عبد الله: أحمد بن محمّد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له فيالمصير إلي.
أخبرنا الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي. قال: وفي شهر رمضان منها- يعني سنة سبعين ومائتين- مات داود بن عليّ بن خلف الأصبهانيّ يكنى أبا سليمان، وهو أول من أظهر انتحال الظاهر، ونفى القياس في الأحكام قولا، واضطر إليه فعلا، فسماه دليلا.
وأخبرني الحسين بن إسماعيل المحامليّ- وكان به خبيرا- قال: كان داود جاهلا بالكلام.
وأخبرني أبو عبد الله الورّاق أنه كان يورق على داود، وأنه سمعه- وسئل عن القرآن- فقال أما الذي في اللوح المحفوظ فغير مخلوق، وأما الذي هو بين الناس فمخلوق.
أخبرني الأزهري حدّثنا محمّد بن حميد اللّخميّ حدّثنا القاضي بن كامل إملاء- قال حدّثني أبو عبد الله الورّاق المعروف بجوار. قال: كنت أورق على داود الأصبهانيّ، وكنت عنده يوما في دهليزه مع جماعة من الغرباء، فسئل عن القرآن فقال: القرآن الذي قال الله تعالى: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة ٧٩] وقال:
﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ [الواقعة ٧٨] غير مخلوق، وأما الذي بين أظهرنا يمسه الحائض