فتطير من كلامه، وقال: حسبي الله، لا قوة إلا بالله، عليه توكلي وبه أستعين، فما مضت الأيام حتى أخذته الحمى، فجعل يوم يتصل إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام.
أخبرني الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدّثنا محمّد بن سهل بن الفضيل الكاتب، حدّثنا عبد الله بن أبي سعد قال: ذكر محمّد بن عبد الله بن مالك الخزاعيّ أن الرّشيد قال لابنه: كان أبو العبّاس عيسى بن علي راهبنا وعالمنا أهل البيت، ولم يزل في خدمة أبي محمّد علي بن عبد الله إلى أن توفي، ثم خدم أبا عبد الله إلى وقت وفاته، ثم إبراهيم الإمام، وأبا العبّاس، والمنصور، فحفظ جميع أخبارهم، وسيرهم، وأمورهم، وكان قرة عينه في الدّنيا إسحاق ابنه، فليس فينا أهل البيت أحدا أعرف بأمرنا من إسحاق، فاستكثر منه، واحفظ جميع ما يحدثك به، فإنه ليس دون أبيه في الفضل، وإيثار الصدق، قال: فأعلمته أني قد سمعت منه شيئا كثيرا، فسألني: هل سمعت خبر وفاة أبي العبّاس أمير المؤمنين؟ فأعلمته أني قد سمعته، فقال قد سمعت هذا الحديث من أبي العبّاس عيسى بن علي، فحدثني ما حدثك به إسحاق لأنظر أين هو مما حدّثني به أبوه؟ فقال: حدّثني إسحاق بن عيسى عن أبيه أنه دخل في أول النهار من يوم عرفة على أبي العبّاس وهو في مدينته بالأنبار، قال إسحاق: قال أبي: وكنت قد تخلفت عنه أياما لم أركب إليه فيها، فعاتبني على تخلفي كان عنه، فأعلمته أني كنت أصوم منذ أول يوم من أيام العشر فقبل عذري. وقال لي: أنا في يومي هذا صائم، فأقم عندي لتقضيني فيه بمحادثتك إياي ما فاتني في الأيام التي تخلفت عني فيها، ثم تختم ذلك بإفطارك عندي، فأعلمته أني أفعل ذلك، وأقمت إلى أن تبينت النعاس في عينيه قد غلب عليه، فنهضت عنه واستمر في النوم، فملت بين القائلة في داره، وبين القائلة في داري، فمالت نفسي إلى الانصراف إلى منزلي لأقيل في الموضع الذي اعتدت القائلة فيه، فصرت إلى منزلي وقلت إلى وقت الزوال، ثم ركبت إلى دار أمير المؤمنين فوافيت إلى باب الرحبة الخارج، فإذا برجل دحداح حسن الوجه مؤتزر بإزار، مترد بآخر، فسلم عليّ فقال:
هنأ الله أمير المؤمنين هذه النعمة وكل نعمة، البشرى أنا وافد أهل السند، أتيت أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم وبيعتهم، فما تمالكت سرورا إلى أن حمدت الله على توفيقه إلىّ للانصراف رغبة في أن أبشر أمير المؤمنين بهذه البشرى، فما توسطت الرحبة حتى وافى رجل في مثل لونه وهيئته، وقريب الصورة من صورته، فسلم على كما سلم