أقوى وأصدق من الخبر الصادق عن رسول الله ﷺ!! فأخذت الكتاب ونهضت، فما مشيت إلا خطى حتى هتف بي فأمرني بالرجوع فرجعت وقال لي: الله قد ألبسك كمالا أكره أن يحطك الناس فيه، وكتابي الذي في يدك مختوم، وسيقول من يحسدك على ما جرى على يديك من هذا الأمر الجليل إنك إنما وفيت للمسمى في هذا الكتاب لأن الكتاب كان مختوما، وقد رأى أمير المؤمنين أن يدفع إليك خاتمه ليقطع بذلك ألسنة الحسدة عنك، فخذ الخاتم فو الله لتفين للمسمى في هذا الكتاب، وليلين الخلافة، ما كذبت ولا كذّبت، وانصرف وتأهبت للركوب، فركبت وركب معي الناس، حتى صليت بأهل العسكر، ونحرت وانصرفت إليه. فسألته عن خبره فقال: خبر ما به الموت لا محالة، فقلت يا أمير المؤمنين هل وجدت شيئا؟ فأنكر علىّ قولي، وكشر في وجهي وقال: يا سبحان الله أقول لك إن رسول الله ﷺ قال إنه يموت، فتسألني عما أجد! لا تعد لمثل هذا الذي كان منك، ثم دخلت إليه عشية يوم العيد، وكان من أحسن من عاينته عيناي وجها، فرأيته في تلك العشية وقد حدثت في وجهه وردية لم أكن أعهدها، فزادت وجهه كمالا، ثم بصرت بإحدى وجنتيه في الحمرة حبة مثل حبة الخردل بيضاء، فارتبت بها، ثم صوبت بطرفي إلى الوجنة الأخرى فوجدت فيها حبة أخرى، ثم أعدت نظري إلى الوجنة التي عاينتها بديا فرأيت الحبة قد صارت اثنتين، ثم لم أزل أرى الحب يزداد حتى رأيت في كل جانب من وجنتيه مقدار الدينار حبا أبيض صغارا، فانصرفت وهو على هذه الحال، وغلست غداة اليوم الثاني من أيام التشريق، فوجدته قد هجر وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري، فرحت إليه بالعشي فوجدته قد صار مثل الزق المنفوخ، وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق، فسجيته كما أمرني وخرجت إلى الناس وقرأت عليهم الكتاب وكان فيه: من عبد الله أمير المؤمنين إلى الرسول والأولياء وجماعة المسلمين، سلام عليكم أما بعد، فقد قلد أمير المؤمنين الخلافة عليكم بعد وفاته أخاه، فاسمعوا له وأطيعوا، وقد قلد الخلافة من بعد، عبد الله بن موسى- إن كان-. قال إسحاق بن عيسى: قال لي أبي: ما نزلت عن المنبر حتى وقع الاختلاف بين الناس فيما كتب به أمير المؤمنين في عيسى بن موسى- إن كان- فقال، فقال قوم أراد بقوله، لها موضعا، وقال آخرون أراد بقوله إن كان هذا لا يكون، ثم أخذت البيعة على الناس وجهزته، وصليت عليه ودفنته في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة