التي زعم أنها صارت إليه، فأوطأ بي عشوة الضلالة، وأوهقني في ربقة الفتنة، وأمرني أن آخذ بالظنة، وأقتل على التهمة، ولا أقبل المعذرة، فهتكت بأمره حرمات حتم الله صونها، وسفكت دماء فرض الله حقنها، وزويت الأمر عن أهله، ووضعته منه في غير محله، فإن يعف الله عني فبفضل منه، وإن يعاقب فبما كسبت يداي وما الله بظلام للعبيد، ثم أنساه الله هذا- يعني أبا مسلم- حتى جاءه فقتله. قال المعافى: أبو مسلم تعرض لما لا قبل له به، وطمع في الأمر مما الخوف منه أولى فتوجه إلى جبار من الملوك قد وتره، وأسرف في خطابه الذي كاتبه به، واسترسل في إتيان حضرته، وأوضاع وجه الحزم، واستأسر للخصم، وسلم عدته التي يحمي بها نفسه إلى من أتى عليها، وفجعه بها، فقتله أفظع قتلة.
وأخبرنا القاضي أبو الطّيّب الطبري، ومحمّد بن الحسين الجازري- واللفظ للطبري- قالا: حدّثنا المعافى بن زكريا، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرفة الأزديّ، أخبرنا أبو العبّاس المنصوري قال: لما قتل المنصور أبا مسلم قال: رحمك الله أبا مسلم فإنك بايعتنا وبايعناك، وعاهدتنا وعاهدناك، ووفيت لنا ووفينا لك، وأنك بايعتنا على أنه من خرج علينا قتلناه، وإنك خرجت علينا فقتلناك، وحكمنا عليك حكمك لنا على نفسك. قال: ولما أراد المنصور قتله دس له رجالا من القواد منهم شبيب بن داج، وتقدم إليهم فقال: إذا سمعتم تصفيقي فاخرجوا إليه فاضربوه، فلما حضر حاوره طويلا حتى قال له في بعض قوله: وقتلت وجوه شيعتنا فلانا وفلانا، وقتلت سليمان ابن كثير، وهو من رؤساء أنصارنا ودولتنا، وقتلت لاهزا، قال: إنهم عصوني فقتلتهم، وقد كان قبل ذلك قال المنصور له: ما فعل سيفان بلغني أنك أخذتهما من عبد الله بن علي، قال: هذا أحدهما يا أمير المؤمنين- يعني السّيف الذي هو متقلد به- قال: أرنيه فدفعه إليه فوضعه المنصور تحت مصلاه، وسكنت نفسه، فلما قال ما قال، قال المنصور: يا للعجب، أتقتلهم حين عصوك، وتعصيني أنت فلا أقتلك! ثم صفق فخرج القوم وبدرهم إليه شبيب وضربه فلم يزد على أن قطع حمائل سيفه، فقال له المنصور: اضربه قطع الله يدك، فقال أبو مسلم: يا أمير المؤمنين استبقني لعدوك، قال:
وأي عدو أعدى لي منك؟ اضربوه فضربوه، بأسيافهم حتى قطعوه إربا إربا، فقال المنصور: الحمد لله الذي أراني يومك يا عدو الله. واستؤذن لعيسى بن موسى، فلما دخل ورأى أبا مسلم على تلك الحال- وقد كان كلم المنصور في أمره لعناية كانت