قدمها، وعليها قميص وقناع مصبوغان، وفي عنقها طبل توقع عليه وتنشد هذا الشعر:
محاسنها سهام للمنايا … مريشة بأنواع الخطوب
برى ريب المنون لهن سهما … تصيب بنصله مهج القلوب
فأجبتها:
قفي شفتي في موضع الطبل ترتقي … كما قد أبحت الطبل في جيدك الحسن
هبينى عودا أجوفا تحت شنة … تمتع فيها بين نحرك والذقن
فلما سمعت الشعر مني نزعت الطبل فرمت به في وجهي، وبادرت إلى الخباء فدخلت فلم أزل واقفا إلى أن حميت الشمس على مفرق رأسي لا تخرج إليّ ولا ترجع إلىّ جوابا، فقلت أنا معها والله كما قال الشّاعر:
فو الله يا سلمي لطال إقامتي … على غير شيء يا سليمي أراقبه
ثم انصرفت سخين العين، قريح القلب، فهذا الذي ترى بي من التغير من عشقي لها. فضحك الرّشيد حتى استلقى. وقال: ويحك يا عبد الملك ابن ست وتسعين سنة يعشق؟ قلت: قد كان هذا يا أمير المؤمنين، فقال: يا عبّاسي، فقال الفضل بن الرّبيع لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: أعط عبد الملك مائة ألف درهم ورده إلى مدينة السلام.
فانصرفت فإذا خادم يحمل شيئا، ومعه جارية تحمل شيئا، فقال: أنا رسول بنتك- يعني الجارية التي وصفتها- وهذه جاريتها، وهي تقرأ عليك السلام وتقول: إن أمير المؤمنين أمر لي بمال وثياب هذا نصيبك منها فإذا المال ألف دينار، وهي تقول: لن نخليك من المواصلة بالبر، فلم تزل تتعهدني بالبر الواسع الكثير حتى كانت فتنة محمّد، فانقطعت أخبارها عني. وأمر لي الفضل بن الرّبيع من ماله بعشرة آلاف درهم.
أخبرنا أبو علي محمّد بن الحسين بن محمّد الجازري، حدّثنا المعافى بن زكريا الجريري، حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدّثنا محمّد بن القاسم بن خلّاد قال:
قال الأصمعيّ: دخلت على جعفر بن يحيى بن خالد يوما فقال لي: يا أصمعي هل لك من زوجة؟ قلت: لا، قال فجارية؟ قلت جارية للمهنة، قال: فهللك أن أهب لك جارية نظيفة، قلت إني لمحتاج إلى ذلك، فأمر بإخراج جارية إلى مجلسه، فخرجت جارية في غاية الحسن والجمّال، والهيئة والظرف والمقال، فقال لها: قد وهبتك لهذا،