وكان أكثر أهل الحجاز أدبا، وأعذبهم ألفاظا، وكان قد حظى عند الهادي وكان يدعو له [إذا جلس](١) بتكاء وما طمع في هذا أحد منه غيره، وكان يقول له: ما استطلت بك يوما ولا ليلة قط، ولا غبت عن عيني إلا تمنيت أن لا أرى غيرك. وأمر له ذات ليلة بثلاثين ألف دينار، فلما أصبح ابن داب وجه قهرمانه يطالب بالمال، فلقى الحاجب فأبلغه رسالته، فأعلمه أن ذلك ليس إليه، وأنه يحتاج إلى توقيع، فأمسك ابن داب. فبينا موسى- يعني الهادي- في مستشرف له إذ نظر إلى ابن داب قد أقبل وليس معه غلام، فقال لإبراهيم الحراني: أما ترى ابن داب، ما غير من حاله؟ ولا تزيّا لنا، وقد بررناه بالأمس ليرى أثرنا عليه، فقال له إبراهيم: إن أمرني أمير المؤمنين عرضت له بشيء من هذا، قال: لا، هو أعلم بأمره ودخل ابن داب فأخذ فيحديثه إلى أن عرض له الهادي بشيء من أمره. فقال: أرى ثوبك غسيلا، وهذا شتاء يحتاج إلى لبس الجديد واللين. فقال: يا أمير المؤمنين باعي قصير عما أحتاج إليه. فقال: كيف ذاك، وقد صرفنا إليك من برنا ما فيه صلاح شأنك؟ قال: ما وصل إلىّ، فدعا بصاحب بيت مال الخاصة. فقال: عجل الساعة له بثلاثين ألف دينار، فحملت بين يديه.
أخبرنا عليّ بن الحسين- صاحب العباسي- أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدّل، أخبرنا أبو عليّ الحسين بن القاسم الكوكبي، حدّثنا ابن أبي سعد، حدثني إبراهيم بن المنذر قال: حدثني أيّوب بن عباية عن ابن داب أنه كان لا يأكل مع هارون- أو موسى أمير المؤمنين- قال: فقيل لابن داب: يا أبا الوليد مالك لا تتغدى مع أمير المؤمنين إذا أتى بالطعام؟ فقال: ما كنت لأتغدى عند رجل لا أغسل يدي عنده، قال:
فكان موسى قد أمر به من بينهم أن يغسل يده إذا تغدى، قال فقيل لابن داب يا أبا الوليد ربما حملت الكتاب وأنت رجل تجد في نفسك؟ قال: إن حمل الدفاتر من المروءة.
أخبرني الأزهري، أخبرنا محمّد بن عمران الكاتب- إجازة- حدثني أحمد بن محمّد الجوهريّ، حدّثنا العنزي، حدّثنا عمر بن عبيدة، حدثني خالي ابن أبي شميلة قال: كان خلف الأحمر ينسب ابن داب إلى الكذب، قال: فغدوت أنا وخلف يوما على ابن داب، فأخذ في حديث الخاصة حتى انقضى، فلما انصرفنا قلت لخلف: يا أبا محرز أتراه كذب؟ قال: لا أدري والله، ما أعرف مما حدث به قليلا ولا كثيرا.