سألت البرقاني قلت له: هل كان أبو الحسن الدارقطني يملى عليك العلل من حفظه؟ فقال: نعم، ثم شرح لي قصة جمع العلل. فقال: كان أبو منصور بن الكرخي يريد أن يصنف مسندا معلما، فكان يدفع أصوله إلى الدارقطني فيعلم له على الأحاديث المعللة، ثم يدفعها أبو منصور إلى الوراقين فينقلون كل حديث منها في رقعة، فإذا أردت تعليق الدارقطني على الأحاديث نظر فيها أبو الحسن ثم أملى على الكلام من حفظه فيقول: حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود الحديث الفلاني، اتفق فلان وفلان على روايته. وخالفهما فلان، ويذكر جميع ما في ذلك الحديث. فأكتب كلامه في رقعة مفردة، وكنت أقول له: لم تنظر قبل إملائك الكلام في الأحاديث؟ فقال: أتذكر ما في حفظي بنظري. ثم مات أبو منصور والعلل في الرقاع، فقلت لأبي الحسن بعد سنين من موته- إني قد عزمت أن أنقل الرقاع إلى الأجزاء وأرتبها على المسند، فأذن لي في ذلك وقرأتها عليه من كتابي ونقلها الناس من نسختي.
قال أبو بكر البرقاني: وكنت أكثر ذكر الدارقطني والثناء عليه بحضرة أبي مسلم بن مهران الحافظ، فقال لي أبو مسلم: أراك تفرط في وصفه بالحفظ، فتسأله عن حديث الرضراض عن ابن مسعود؟ فجئت إلى أبي الحسن وسألته عنه فقال: ليس هذا من مسائلك، وإنما قد وضعت عليه. فقلت له: نعم، فقال من الذي وضعك على هذه المسألة؟ فقلت: لا يمكنني أن أسميه، فقال: لا أجيبك أو تذكره لي، فأخبرته فأملى على أبو الحسن حديث الرضراض باختلاف وجوهه، وذكر خطأ البخاريّ فيه، فألحقته بالعلل ونقلته إليها- أو كما قال-.
سمعت القاضي أبا الطّيّب الطبري يقول: حضرت أبا الحسن الدارقطني وقد قرأت عليه الأحاديث التي جمعها في الوضوء من مس الذكر فقال: لو كان أحمد بن حنبل حاضرا لاستفاد هذه الأحاديث.
حدثني الخلال قال: كنت في مجلس بعض شيوخ الحديث- سماه الخلال وأنسيته- وقد حضره أبو الحسين بن المظفّر والقاضي أبو الحسن الجراحي وأبو الحسن الدارقطني وغيرهم من أهل العلم، فحلت الصّلاة، فكان الدارقطني إمام الجماعة، وهناك شيوخ أكبر أسنانا منه فلم يقدم أحد غيره.