- وقد دعا بالسيف ليقتله- فكان أبو دلف يصير إليه كل يوم يشكره، وكان ابن أبي دؤاد يقول به ويصفه، فقال له المعتصم: إن أبا دلف حسن الغناء، جيد الضرب بالعود. فقال: يا أمير المؤمنين القاسم في شجاعته وبيته في العرب يفعل هذا؟ قال نعم! وما هو هذا؟ هو أدب زائد فيه. فكأن ابن أبي دؤاد عجب من ذلك، فأحب المعتصم أن يسمعه ابن أبي دؤاد، فقال له: يا قاسم غنّني، فقال: والله ما أستطيع ذلك وأنا أنظر إلى أمير المؤمنين هيبة له وإجلالا، فقال: لا بد من ذلك، واجلس من وراء ستارة. فكان ذلك أسهل عليه، فضربت ستارة وجلس أبو دلف خلفها يغني، ووجه المعتصم إلى ابن أبي دؤاد فحضر واستدناه، وجعل أبو دلف يغني وأحمد يسمع ولا يدري من يغني. فقال له المعتصم: كيف تسمع هذا الغناء يا أبا عبد الله؟ فقال: أمير المؤمنين أعلم به مني، ولكني أسمع حسنا. فغمز المعتصم غلاما فهتك الستارة وإذا أبو دلف، فلما رأى المعتصم وابن أبي دؤاد وثب قائما، وأقبل على ابن أبي دؤاد فقال: إني أجبرت على هذا، فقال: لولا دربتك في هذا من أين كنت تأتي بمثل هذا! هبك أجبرت على أن تغني، من أجبرك على أن تحسن؟ قال الصولي: ومات أبو دلف سنة خمس وعشرين ومائتين.
أخبرنا الحسن بن محمّد الخلال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، أخبرنا محمّد ابن يحيى قال: وفي سنة خمس وعشرين ومائتين مات أبو دلفالقاسم بن عيسى العجلي، وكان جوادا شريفا شاعرا شجاعا.
أخبرني الحسن بن أبي بكر قال: كتب إلى محمّد بن إبراهيم الجوري يذكر أن أحمد بن حمدان بن الخضر حدثهم قال أحمد بن يونس الضّبّي حدثني أبو حسّان الزيادي قال: مات القاسم بن عيسى العجلي- أبو دلف ببغداد في سنة خمس وعشرين ومائتين.
حدثني الحسن بن أبي طالب قال: حدّثنا يوسف بن عمر القواس، حدّثنا الحسين ابن إسماعيل- إملاء- حدّثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني محمّد بن سلمة البلخي، حدثني محمّد بن عليّ القوهستاني، حدثني دلف بن أبي دلف قال: رأيت كأن آتيا أتاني بعد موت أبي، فقال: أجب الأمير، فقمت معه فأدخلني دارا وحشة، وعرة سوداء الحيطان، مقلعة السقوف والأبواب، ثم أصعدني درجا فيها، ثم أدخلني غرفة فإذا في حيطانها أثر النيران، وإذا في أرضها أثر الرماد، وإذا أبي عريان واضعا رأسه بين ركبتيه، فقال لي كالمستفهم: دلف؟ قلت: نعم أصلح الله الأمير، فأنشأ يقول: