لأنه أطعم ناسا نزلوا به ونحر لهم، ثم رفع رأسه فإذا هو برخم تحملق حول أضيافه، فأمر أن يذبح لهن كبش ويرمي به بين أيديهن ففعل ذلك. ونزلن عليه فتمزقنه، فسمى مطعم الكبش الرخم، وفي ذلك يقول أبو نعجة النمري يمدح رجلا منهم:
أبوك زعيم بني قاسط … وخالك ذو الكبش يقري الرخم
قال: وكان منصور شاعرا من شعراء الدولة العبّاسية من أهل الجزيرة، وهو تلميذ كلثوم بن عمرو العتّابي وراويته وعند أخذ، ومن بحره استقى. والعتّابي وصفه للفضل ابن يحيى وقرظه عنده حتى استقدمه من الجزيرة، واستصحبه، ثم وصله بالرّشيد وجرت بعد ذلك بينه وبين العتّابيوحشة حتى تهاجيا وتناقضا، وسعى كل واحد منهما على هلاك صاحبه.
أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي، أخبرنا أبو الفرج الأصبهانيّ، حدثني عمي، حدّثنا محمّد بن علي بن حمزة العلوي، حدثني عمي عن جدي قال: قال لي منصور النمري: كنت واقفا على جسر بغداد أنا وعبيد الله بن هشام بن عمرو التغلبي، وقد وخطني الشيب يومئذ، وعبيد الله شاب حديث السن، فإذا أنا بقصرية ظريفة وقد وقفت، فجعلت أنظر إليها وهي تنظر إلى عبيد الله بن هشام، ثم انصرفت فقلت فيها:
لما رأيت سوام الشيب منتشرا … في لمتي وعبيد الله لم يشب
سللت سهمين من عينيك فانتضلا … على شبيبة ذي الأذيال والطرب
كذا الغواني مراميهن قاصدة … إلى الفروع معداة عن الخشب
شبه الشباب بالفرع الأخضر، والشيخ بالخشبة التي قد يبست، أو ساق الشجرة الذي لا ورق له:
لا أنت أصبحت تفيدينني أربا … ولا وعيشك ما أصبحت من أربي
إحدى وخمسين قد أنضيت جدتها … تحول بيني وبين اللهو واللعب
لا تحسبين وإن غضيت عن بصري … غفلت عنك ولا عن شأنك العجب
قال: ثم عدلت عن ذلك فمدحت يزيد بن مزيد فقلت:
لو لم يكن لبني شيبان من حسب … سوى يزيد لفاتوا الناس بالحسب
لا تحسب الناس قد حابوا بني مطر … إذ أسلموا الجود فيهم عاقد الطنب
الجود أخشن لمسا يا بني مطر … من أن تبزكموه كف مستلب
ما أعرف الناس إن الجود مدفعة … للذم لكنه يأتي على النشب