للبحتري. وقد اجتمعا في دار عبد الله- يعني ابن المعتز- بالخلد وعنده أبو العبّاس محمّد بن يزيد المبرد، وذلك في سنة ست وسبعين ومائتين، وقد أنشد البحتريّ شعرا في معنى قد قال في مثله أبو تمام. فقال له: أنت أشعر في هذا من أبي تمام، فقال: كلا والله، ذاك الرئيس الأستاذ، والله ما أكلت الخبز إلا به. فقال له المبرد: يا أبا الحسن تأبى إلا شرفا من جميع جوانبك.
وأخبرنا ابن المظفر، أخبرنا المرزباني، أخبرني محمّد بن يحيى، حدثني الحسين بن علي الكاتب قال: قال لي البحتريّ: أنشدت أبا تمام يوما شيئا من شعري، فأنشد بيت أوس بن حجر:
إذا مقرم مناذرا حد نابه … تخبط فينا ناب آخر مقرم
فقال: نعيت إلى نفسي. فقلت: أعيذك بالله من هذا. فقال إن عمري ليس بطويل وقد نشأ مثلك لطيئ، أما علمت أن خالد بن صفوان المنقريّ رأى شبيب بن شبة- وهو من رهطه- يتكلم، فقال: يا بني، نعى نفسي إلى إحسانك في كلامك، لأنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله. قال: فمات أبو تمام بعد سنة من قوله هذا.
وقال محمّد بن يحيى: حدثني أبو الغوث. وقال قال أبي: أنشدت أبا تمام شعرا لي في بعض بني حميد، وصلت به إلى مال له خطر. فقال لي: أحسنت، أنت أمير الشعر بعدي، فكان قوله هذا أحب إليّ من جميع ما حويته.
أخبرنا ابن المظفر، أخبرنا المرزباني، أخبرني محمّد بن العبّاس قال: أنشد رجل أبا العبّاس ثعلبا قول البحتريّ:
وإذا دجت أقلامه ثم انتحت … برقت مصابيح الدجى في كتبه
باللفظ يقرب فهمه في بعده … منا ويبعد نيله في قربه
حكم سحابتها خلال بنانه … هطالة وقليبها في قلبه
كالروض مؤتلقا بحمرة نوره … وبياض زهرته وخضرة عشبه
وكأنها- والسمع معقود بها- … شخص الحبيب بدا لعين محبه
فقال أبو العبّاس: لو سمع الأوائل هذا الشعر ما فضلوا عليه شعرا.
أخبرني أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل، أخبرنا أبو الحسن محمّد بن جعفر التّميميّ الكوفيّ، أخبرنا أبو بكر الصولي عن ابن البحتريّ يقال: دخل أبي على بعض