للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطيّ، أخبرنا محمّد بن جعفر بن محمّد بن هارون التّميميّ- بالكوفة- حدثنا الحسن بن داود، حدثنا أبو جعفر عقدة، حدثنا أبو بديل الوضاحي قال: أمر أمير المؤمنين المأمون الفرّاء أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العرب، وأمر أن يفرد في حجرة من حجر الدار، ووكل به جواري وخدما يقمن بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه، ولا تتشرف نفسه إلى شيء، حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصّلاة، وصيّر له الورّاقين، وألزمه الأمناء والمنفقين، فكان يملى والورّاق يكتبون، حتى صنف الحدود في سنين، وأمر المأمون بكتبه في الخزائن فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ يملى كتاب «المعاني». وكان وراقيه سلمة وأبو نصر، قال: فأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب «المعاني» فلم يضبط. قال: فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا، فلم يزل يمليه حتى أتمه، وله كتابان في المشكل، أحدهما أكبر من الآخر.

قال: فلما فرغ من إملاء المعاني خزنه الورّاقون عن الناس ليكسبوا به، وقالوا لا نخرجه إلى أحد إلا إلى من أراد أن ننسخه له على خمس أوراق بدرهم، فشكى الناس ذلك إلى الفرّاء فدعا الورّاقين فقال لهم في ذلك، فقالوا إنما صحبناك لننتفع بك، وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب، فدعنا نعش به قال: فقاربوهم تنتفعوا وينتفعوا، فأبوا عليه، فقال: سأريكم. وقال للناس: إني ممل كتاب معان أتم شرحا، وأبسط قولا من الذي أمليت. فجلس يملّ فأملّ الحمد في مائة ورقة، فجاء الورّاقون إليه فقالوا نحن نبلغ للناس ما يحبون، فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم. قال: وكان المأمون قد وكل الفرّاء يلقن ابنيه النحو، فلما كان يوما أراد الفرّاء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفرّاء يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردا، فقدماها. وكان المأمون له على كل شيء صاحب، فرفع ذلك إليه في الخبر، فوجه إلى الفرّاء فاستدعاه، فلما دخل عليه قال له: من أعز الناس؟ قال: ما أعرف أعز من أمير المؤمنين، قال: بلى! من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى رضى كل واحد أن يقدم له فردا. قال: يا أمير المؤمنين لقد أردت منعهما عن ذلك ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها، أو أكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها. وقد يروى عن ابن عبّاس أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حين خرجا من عنده، فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسن منهما؟ قال له

<<  <  ج: ص:  >  >>