يأت بطائل، ولم يكن له حجة قوية ولا ضعيفة، واستوهب أبو بكر ﵁ تأديبه من السلطان عند توبته، وإظهاره الإقلاع عن بدعته، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه واستغوى من أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة والغباوة دونه، ظنا منه أن ذلك يكون للناس دينا، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماما، ولن يعدو ما ضل به مجلسه لأن الله قد علمنا أنه حافظ كتابه من لفظ الزائغين، وشبهات الملحدين بقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ [الحجر ٩].
ثم ذكر أبو طاهر كلاما كثيرا وقال بعده: وقد دخلت عليه شبهة لا تخيل بطولها وفسادها على ذي لب وفطنة صحيحة، وذلك أنه قال: لما كان لخلف بن هشام، وأبي عبيد، وابن سعدان، أن يختاروا، وكان ذلك لهم مباحا غير منكر، كان ذلك لي أيضا مباحا غير مستنكر فلو كان حذا حذوهم فيما اختاروه، وسلك طريقا كطريقهم؛ كان ذلك مباحا له ولغيره غير مستنكر، وذلك أن خلفا ترك حروفا من حروف حمزة واختار أن يقرأ على مذهب نافع، وأما أبو عبيد وابن سعدان فلم يتجاوز واحد منهما قراءة أئمة القراء بالأمصار، ولو كان هذا الغافل نحا نحوهم كان مسوغا لذلك غير ممنوع منه، ولا معيب عليه، بل إنما كان النكير عليه شذوذه عما عليه الأئمة الذين هم الحجة فيما جاءوا به مجتمعين ومختلفين.
وذكر أبو طاهر كلاما كثيرا نقلنا منه هذا المقدار، ومن آثر الوقوف عليه فليعمد للنظر في أول كتاب «البيان» فإنه مستقصى هناك.
حدّثني أبو بكر أحمد بن محمّد المستملي الغزّال قال: سمعت أبا أحمد الفرضي غير مرة يقول: رأيت في المنام كأني في المسجد الجامع أصلي مع الناس، وكان محمّد ابن الحسن بن مقسم قد ولى ظهره القبلة وهو يصلي مستدبرها، فأولت ذلك مخالفته الأئمة فيما اختاره لنفسه من القراءات.
قال الشيخ أبو بكر: ذكرت هذه الحكاية لأبي يعلى بن السّرّاج المقرئ. فقال: وأنا سمعتها من أبي أحمد الفرضي.
قال محمّد بن أبي الفوارس: توفي ابن مقسم في شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، ومولده سنة خمس وستين ومائتين. ويقال أن ابنه أدخل عليه حديثا، والله أعلم.