الرّبيع بن سليمان يقول: كنت عند الشّافعيّ أنا والمزني وأبو يعقوب البويطيّ، فنظر إلينا فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه- أو جدله- وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد. قال الرّبيع: فدخلت على البويطيّ أيام المحنة فرأيته مقيدا إلى أنصاف ساقيه، مغلولة يده إلى عنقه.
أخبرنا الخلّال، أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدّقّاق قال: حدثني أحمد بن قاج- من لفظه- حدثنا أبو عبد الله محمّد بن حمدان بن سفيان الرّازيّ الطرائفي قال:
سمعت الرّبيع بن سليمان المرادي يقول: كنا جلوسا بين يدي الشّافعيّ: أنا، والبويطيّ، والمزني، فنظر إلىّ البويطيّ فقال: ترون هذا؟ إنه لن يموت إلا في حديده، ثم نظر إلى المزني فقال: ترون هذا؟ أما أنه سيأتي عليه زمان لا يفسر شيئا فيخطئه، ثم نظر إلىّ فقال: أما إنه ما في القوم أحد أنفع لي منه، ولوددت أني حشوته العلم حشوا.
حدثنا أبو منصور محمّد بن عيسى بن عبد العزيز البزّاز- إملاء بهمذان- حدثنا عبد الرّحمن بن أحمد الأنماطيّ، حدثنا محمّد بن حمدان الطرائفي، حدثنا الرّبيع بن سليمان قال: رأيت البويطيّ على بغل في عنقه غل، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد، فيها طوبة وزنها أربعون رطلا، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت كن مخلوقة فكانت مخلوقا خلق مخلوقا، فو الله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت إليه لأصدقنه- يعني الواثق- قال الرّبيع: وكتب إلىّ من السجن أنه ليأتي عليّ أوقات ما أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك، واستوص بالغرباء خاصة خيرا، فكثيراما كنت أسمع الشّافعيّ يتمثل بهذا البيت:
أهين لهم نفسي لكي يكرمونها … ولا تكرم النفس التي لا تهينها
أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي، حدثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب الأصم قال: سمعت الرّبيع بن سليمان يقول: كتب إليّ أبو يعقوب البويطيّ أن أصبر نفسي للغرباء، وأظنك خلقك لأهل حلقتك فإني لم أزل أسمع الشّافعيّ يقول، يكثر أن يتمثل بهذا البيت:
أهين لهم نفسي لكي يكرمونها … ولا تكرم النفس التي لا تهينها