المحراب مجذوم عليه من البلاء شيء عظيم فلما رآني سلّم عليّ وقال لي: يا أبا الحسين عزمت الحج؟ قلت نعم- على غيظ مني وكراهية له- قال: فقال لي فالصحبة؟ فقلت في نفسي أنا هربت من الأصحاء أقع في يدي مجذوم! قلت: لا، قال لي: افعل. قلت: لا والله لا أفعل، فقال لي: يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي. فقلت نعم- على الإنكار عليه- قال: فتركته فلما صليت العصر مشيت إلى ناحية المغيثة فبلغت كلفد (١) ضحوة فلما دخلت إذا أنا بالشيخ فسلم عليّ وقال لي: يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي. قال: وأخذني شبه الوسواس في أمره، قال: فلم أحس حتى بلغت القرعاء على العدو فبلغت مع الصبح، فدخلت المسجد فإذا أنا بالشيخ قاعد، وقال لي: يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي. قال: فبادرت إليه فوقعت بين يديه على وجهي فقلت:
المعذرة إلى الله وإليك، قال لي: مالك؟ قلت: أخطأت، قال: وما هو؟ قلت: الصحبة، قال: أليس حلفت وإنا نكره أن نحنثك، قال: قلت فأراك في كل منزل؟ قال: لك ذلك. قال: فذهب عني الجوع والتعب في كل منزل ليس لي هم إلا الدخول إلى المنزل فأراه، إلى أن بلغت المدينة فغاب عني فلم أره. فلما قدمت مكة حضرت أبا بكر الكتاني وأبا الحسن المزين فذكرت لهم، فقالوا لي يا أحمق ذلك أبو جعفر المجذوم، ونحن نسأل الله أن نراه. فقالوا إن لقيته فتعلق به لعلنا نراه، قلت: نعم! قال:
فلما خرجنا إلى منى وعرفات لم ألقه، فلما كان يوم الجمرة رميت الجمار فجذبني إنسان وقال لي: يا أبا الحسين السلام عليك، فلما رأيته لحقني من رؤيته، فصحت فغشى عليّ وذهب عني، وجئت إلى مسجد الخيف فأخبرت أصحابنا، فلما كان يوم الوداع صليت خلف المقام ركعتين، ورفعت يدي فإذا إنسان خلفي جذبني فقال: يا أبا الحسين عزمت أن تصيح؟ قلت: لا، أسألك أن تدعو لي. فقال: سل ما شئت، فسألت الله ثلاث دعوات فأمن على دعائي فغاب عني فلم أره، فسألته عن الأدعية فقال أما أحدها فقلت يا رب حبب إليّ الفقر فليس في الدنيا شيء أحب إلى منه، والثاني قلت اللهم لا تجعلني ممن أبيت ليلة ولي شيء أدخره لغد وأنا منذ كذا وكذا سنة ما لي شيء أدخره، والثالث قلت اللهم إذا أذنت لأوليائك أن ينظروا إليك فاجعلني منهم وأنا أرجو ذلك. قال السّلميّ: أبو جعفر المجذوم بغدادي.
(١) هكذا في الأصل، وفي المعجم: «كلفى» كحبلى؛ رملة بجنب غيفة بين مكة والمدينة.